شهد عمار حاتم
لتاكل في الصناعات النفطية
يعد التآكل من أهم التحديات الصناعية والتي تشكل تهديدًا مستمرًا للسلامة والاقتصاد والبيئة على حد سواء، اذ انه السبب الرئيسي للفشل الهيكلي الذي يؤدي إلى حوادث خطيرة وخسائر اقتصادية ضخمة جراء ايقاف انظمة التشغيل وارتفاع تكاليف الصيانة واستنزاف الموارد الطبيعية. يحدث التآكل نتيجة لميل المعادن بشكل عام إلى العودة إلى حالتها الأصلية الأكثر استقرارًا، لذا فانه مشكلة حتمية تدفع مهندسي التآكل إلى السعي باستمرار للسيطرة عليها قدر الإمكان.
تتعرض الوحدات الصناعية النفطية لبيئات شديدة التآكل وظروف تشغيل قاسية، مما يؤدي إلى تفاقم هذه المشكلة. يحدث التاكل بعدة اشكال تبعاً للظروف المسببة ونوع المعدن نذكر اهمها ما يلي:
التاكل العام: يُعتبر التآكل عاماً عندما لا توجد مناطق تآكل عميقة على المعدن. ويحدث بشكل مستمر ومتساوي على كامل السطح المعرض لبيئة تاكل. يُقسم السطح بالتساوي إلى خلايا أنودية وكاثودية، مما يؤدي إلى ترقق المعدن وتدهوره تدريجياً. يسهل التنبؤ بهذا النوع من التآكل وبالتالي تسهل عملية السيطرة عليه، مما يجعله أقل خطورة مقارنة بأنواع التآكل الأخرى.
التآكل الموضعي: يظهر بشكل نقور على السطح فيسمى بالتآكل النقري او قد يكون على شكل خدوش واضرار ميكانيكية فيطلق عليه ما يسمى بتآكل التعرية.
2.1. التاكل النقري: يبدأ التآكل النقري على شكل حفر صغيرة على السطح، تعمل كل حفرة كأنود، في حين يعمل باقي السطح ككاثود. وبوجود بيئة تآكل مناسبة كالبيئآت المالحة مثلاً فانه يتكون ما يعرف بخلايا التآكل الكلفانية. تسبب هذه الخلايا استمرار تآكل الحفر وبالتالي زيادة عمقها. يعتبر التآكل النقري أحد أخطر انواع التآكل على الاطلاق، حيث تكون النقور صغيرة جدًا ولا يمكن ملاحظتها أو التنبؤ بها بسهولة، مما قد يتسبب في وصول النظام المتآكل إلى مرحلة الفشل التام دون سابق انذار.
2.2. تآكل التعرية: هو شكل من أشكال الضرر الميكانيكي الذي يحدث بشكل أساسي نتيجة لزيادة قوة القص الميكانيكية للسائل عندما يتدفق بسرعة مضطربة أو عالية تتجاوز المستوى الحرج، مما يجعل قوى القص كافية لإزالة أي طبقة واقية على سطح المعدن. يُطلق على هذا النوع من التآكل ايضا بالتآكل الناتج عن التدفق. ويزداد الأمر سوءًا عندما يكون السائل المتدفق محملاً بجسيمات صلبة، حيث تخدش الجسيمات الصلبة سطح المعدن تدريجيًا، تاركة تأثيرًا تراكميًا سلبيًا للغاية يطلق عليه تآكل التعرية.
العوامل المسببة للتآكل: هناك عدد من العوامل المهمة التي تلعب دوراً رئيسياً في تحفيز التآكل، يمكن تلخيص اهمها كالتالي:
درجة الحرارة: تتضاعف نسبة التآكل كلما زادت درجة الحرارة بمقدار 10 C تقريباً نتيجة لزيادة طاقة التنشيط في المعدن، ولكن لا يمكن تعميم هذا كقاعدة ثابتة اذ يعد تأثير الحرارة على تآكل المعدن اكثر تعقيداً من خلال التأثير على ديناميكية التفاعل والتحكم بمستوى ذوبانية الاوكسجين في الوسط والذي يعد بدوره من عوامل التآكل المهمة للغاية.
السرعة: يؤثر هذا العامل على معدل التآكل بأشكال مختلفة، اعتمادا على نوع المعدن والتدفق ونوع السائل والخصائص الفيزيائية للسوائل والتصميم الهندسي للنظام وغيرها. يكمن تأثير السرعة بطريقتين: أولا، إنه يلعب دور مهم في نقل الكتلة، مثل الأكسجين، مما يؤدي إلى زيادة التآكل حتى الوصول إلى حالة الحماية بطبقة الاوكسيد المتكونة في بعض الأوقات. ثانيا، السرعة العالية لها تأثير ميكانيكي سلبي على سطح المعدن اذ تؤدي إلى تآكل التعرية. ومع ذلك فان السرعة الواطئة تسبب ترسب الملوثات على سطح المعدن وانتشار البكتريا كما يمكن ان تتسبب في تكوين مستحلبات.
الاملاح: ان وجود الاملاح يعد من اهم اسباب التآكل في الانظمة، اذ تؤثر بشكل مباشر على مقاومة المعدن او على درجة حموضة الوسط تبعاً لنوعها. تعد املاح كلوريد الصوديوم وكلوريد البوتاسيوم وكلوريد المغنيسيوم من اكثر الملوثات ضرراً للمنظومات الصناعية اذا يؤثر الاول على مقاومة المعدن بينما تتأين الاملاح الاخرى لتنتج حمض الهيدروكلوريك الذي يرفع درجة حموضة الوسط لتزداد نسبة التآكل.
الأس الهيدروجيني: يسلك التآكل سلوكاً مختلفاً تحت تأثير الاس الهيدروجيني وذلك تبعاً لنوع المعدن المتآكل، وبما ان الفولاذ منخفض الكاربون هو المعدن الرائد في الصناعات النفطية فلا بد من الاشارة الى السلوك التآكلي للحديد تحت تأثير هذا العامل، اذ تصل نسبة التآكل في الحديد الى الحد الأقصى في البيئات الحامضية الشديدة والبيئات القاعدية الشديدة بينما تنخفض نسبة التآكل عد حوالي 6 - 8 من درجة الأس الهيدروجيني، اذا يكون التآكل شبه منعدم عند وصول قيمة الأس الهيدروجيني الى 8.
الأوكسجين: يعمل الأوكسجين كعامل مؤكسد قوي لذا فإنه يلعب دوراً رئيسياً في حدوث التآكل وهو يشارك في العمليات الانودية والكاثودية على السطح، ولذا فان التآكل يزداد بزيادة الاوكسجين المذاب في الوسط بينما يكاد ان يكون معدوماً بغياب الأوكسجين.
السيطرة على التآكل: تم السيطرة على التاكل بعدد من التقنيات:
انظمة الحماية الكاثودية: الحماية الكاثودية هي طريقة تستخدم للتحكم في التآكل الذي يحدث على سطح المعدن بجعله الكاثود لخلية كهروكيميائية. هذا الإجراء بسيط للغاية والذي يتضمن توصيل المعدن المراد حمايته، بمعدن أكثر تآكلًا والذي يُسمى عادةً "المعدن الضحية" ليكون بمثابة القطب الموجب. ثم يتآكل هذا المعدن الضحية بدلاً من المعدن المحمي. هنالك نوعين من الحماية الكاثودية:
.1.1 الأنود الجلفاني: في هذا النوع، يتم توصيل الأنود الجلفاني، وهو معدن نشط كهربيًا، بالسطح المعدني المهدد بالتآكل حيث يتعرض للإلكتروليت. يتم اختيار الأنودات الجلفانية لأن لديها جهدًا أكثر نشاطًا، مما يعني أن لديها جهد قطب سالب أكثر من معدن الهيكل المستهدف (وهو الصلب بشكل عام). الأنودات الجلفانية لها فترات عمر محدودة حيث سيستمر الأنود التضحوي في التدهور وحماية الخزان أو الأنابيب والمواسير. يحتفظ الأنود الجلفاني بالتآكل حتى يتم استهلاك مادة الأنود بالكامل وفي النهاية يجب استبداله.
.1.2أنظمة التيار القسري المسلط:عند استخدام الأنودات الجلفانية للهياكل الأكبر حجمًا والتي تتميز بمقاومة عالية للكهرباء، فإنها لا تستطيع دفع تيار كافٍ اقتصاديًا لتوفير الحماية. في هذه الحالات، يتم استخدام أنظمة الحماية الكاثودية بالتيار القسري (ICCP) والتي لها عمر أطول بكثير من الأنودات الجلفانية. تشتمل هذه الأنظمة على مقوم يحول مصدر طاقة التيار المتردد إلى تيار مستمر، والذي يتم معايرته بشكل صحيح لتوفير الحماية المطلوبة.
نظرًا لأن مصدر الطاقة يتم توصيله إلى القطب ولا يتم إنشاؤه عن طريق تدهور القطب، فقد تتم إعادة معايرة مصدر الطاقة للقطب الكهربائي لتوفير طاقة إضافية، عند الحاجة.
حقن المثبطات: مثبطات التآكل هي مواد كيميائية قادرة على منع تآكل المعادن بكفاءة عالية عند إضافتها بكميات صغيرة (جزء في المليون) إلى الوسائط المسببة للتآكل. وهي تقنية لا غنى عنها لحماية السطح الداخلي للأنابيب والمعدات الصناعية الأخرى. تتم إضافتها بشكل متقطع أو مستمر لمنع التآكل بواسطة آليات مختلفة. يجب أن يتمتع المركب بعدد من الخصائص ليكون مانعًا معتمدًا للتآكل، حيث يجب أن يكون عالي الكفاءة، متجدد، قابل للتحلل، غير سام، وفير في مكوناته، مناسب للوسط، ثابت عند درجات الحرارة العالية، لا يميل إلى التشكل رغوة أو مستحلبات، وفعالة في البيئات المناخية المتقلبة.
الطلاء: تُساعد الطبقة الخارجية المحيطة بسطح المعدن على حماية المعدن من التآكل، وتعتمد فعاليّة الطلاء في حماية المعدن على البيئة التي يتعرّض لها، وكذلك فإنّ الهدف من عملية الطلاء إبقاء المعدن جافّاً، وتجنّب تعرضّه للرطوبة.