مقالة للتدريسي م.م عبدالله علي كاظم بعنوان الزيتون في الطب الحديث غذاء، شفاء، ووقاية تاريخ الخبر: 07/05/2025 | المشاهدات: 374

مشاركة الخبر :

قد وصفت الحضارات القديمة الزيتون بأنه رمز للسلام والرخاء والحكمة. والحق أن الزيتون عنصر أساسي في الثقافة الغذائية لمنطقة البحر المتوسط، حتى إن منظمة اليونسكو صنّفت الحِمية المتوسطية التي يعتمدها شعوب المنطقة ضمن التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
التركيب الغذائي
يتميز الزيتون بغناه بالدهون الأحادية غير المشبعة (خصوصاً حمض الأوليك) والألياف والفيتامينات والمعادن. وتوضح الدراسات أن محتوى الماء يصل إلى نحو 70–75% من وزن الثمرة، بينما يزيد محتوى الدهون من نحو 14–15% في الثمار الخضراء إلى حوالي 30% في الثمار الناضجة السوداء. كما يحتوي الزيتون على مركبات فينولية فعّالة، مثل الأوليوروبين في الثمار الخضراء (وهو مركب يعطي الطعم المر ويصل إلى ~14% من الوزن الجاف) وينتج عنه الهيدروكسي تايروسول. وكذلك يوجد مركب الأوليوكانثال في زيت الزيتون البكر، وهو معروف بخصائصه المضادة للالتهاب والآثار الإيجابية على صحة الأوعية الدموية والدماغ.
الجدول أدناه يلخص بعض قيم المغذيات لكل 100 غم من الزيتون الأخضر والمخلل والأسود المعلّب:
المكوّن الغذائي الزيتون الأخضر (100 غم) الزيتون الأسود (100 غم)
الطاقة (سعرة حرارية) 145 116
الدهون (جم) 15.3 10.9
البروتين (جم) 1.0 0.84
الكربوهيدرات (جم) 3.8 6.0
الألياف (جم) 3.3 1.6
الصوديوم (ملغ) 1556 735
الحديد (ملغ) 0.49 6.28
فيتامين هـ (ملغ) 3.81 1.65
تبيّن بيانات الجدول أن الزيتون الأخضر يحتوي على سعرات ودهون أعلى قليلًا من الأسود، مع ألياف أكثر ومحتوى ملحي أعلى (لأنه يُحفظ عادةً في محلول ملحي)، بينما يحتوي الزيتون الأسود على بروتين مماثل لكن سعرات أقل. ويُذكر أن الزيتون غنّي كذلك بالفيتامينات والمغذيات الدقيقة، فهو مصدر جيد لفيتامين (هـ) المضاد للأكسدة والمعادن مثل الحديد والنحاس.
الفوائد الصحية الحديثة
الوقاية من الأمراض المزمنة (القلب، السرطان، السكري): تشير الأدلة العلمية الحديثة إلى أن الأحماض الدهنية الأحادية غير المشبعة (خاصة حمض الأوليك) والمركبات الفينولية في الزيتون تساعد في خفض عوامل الخطورة لأمراض القلب. فقد لوحظ أن الأوليوروبين في الزيتون يقلل أكسدة الكوليسترول الضار، ويخفض من الدهون في الدم ويثبط الالتهابات المرتبطة بتصلب الشرايين. كما أظهرت الدراسات أن الأنظمة الغذائية الغنية بزيت الزيتون مرتبطة بانخفاض معدلات بعض السرطانات (مثل سرطان الثدي والقولون) مقارنةً بنظم غذائية أخرى. أما في السكري، فقد وجدت تجربة عشوائية أن مستخلصاً من أوراق الزيتون غني بالأوليوروبيين والهيدروكسي تايروسول حسّن من حساسية الأنسولين وخفض السكر الصائم لدى مرضى ما قبل السكري.
التأثيرات على الدماغ والذاكرة
تحتوي ثمار الزيتون وزيتها على مضادات أكسدة قوية مثل الهيدروكسي تايروسول والأوليوكانثال، وقد وُجد أن لها تأثيرات حماية عصبية مهمة. فبحسب دراسة حديثة، فقد حدّت الزيوت الغنية بالأوليوكانثال من التهاب الدماغ وحسّنت من وظيفة الحاجز الدماغي الدموي عند فئران نموذج الزهايمر، مما يؤخر التدهور العصبي. كما استطاعت تجربة على الحيوانات إظهار أن مستخلصات الهيدروكسي تايروسول تعزز توليد خلايا عصبية جديدة وتقلل من الضرر التأكسدي في الدماغ، مما يساعد على تحسين الذاكرة والأداء المعرفي. وتُعزى هذه الفوائد إلى قدرة مركبات الزيتون على تقليل الإجهاد التأكسدي والالتهاب العصبي وزيادة تدفق الدم إلى الدماغ.
دعم صحة الجهاز الهضمي والمناعة:
يوفر الزيتون الألياف التي تدعم حركة الأمعاء وتغذية البكتيريا النافعة في الأمعاء، مما يعزز من صحة الجهاز الهضمي. إضافةً إلى ذلك، تبين أن الهيدروكسي تايروسول الموجود في الزيتون له تأثيرات مضادة للالتهابات في الأمعاء. ففي نموذج حيواني لالتهاب القولون، أدى علاج الهيدروكسي تايروسول إلى تخفيف أعراض الالتهاب وتقليل البروتينات الالتهابية في الأمعاء، مع استقرار أفضل لتشكيل البكتيريا المعوية المفيدة. وهذا ينعكس إيجابياً على المناعة العامة، حيث أن تقليل الالتهاب المعوي يحسّن من استجابة الجهاز المناعي ويقي الجسم من الأمراض.
التحكم بالوزن وصحة البشرة
بالرغم من أن الزيتون غني بالدهون، فإن استبدال الدهون المشبعة والسكريات البسيطة بمصادر الدهون الصحية مثل زيت الزيتون يشجع على الوزن الصحي. فقد أظهرت دراسات أن الأنظمة الغذائية المتوسطية الغنية بزيت الزيتون تساعد في الحماية من زيادة الوزن والسمنة. أما بالنسبة للبشرة، فيُعتبر الزيتون مصدراً لفيتامين (هـ) ومضادات أكسدة أخرى تساهم في حماية خلايا الجلد من الجذور الحرة. ويشير الخبراء إلى أن زيت الزيتون قد يحسّن من مرونة البشرة وترطيبها؛ فالدهون الصحية وفيتامين (هـ) فيه تعززان تجدد خلايا الجلد وتؤخر علامات التقدم في السن.
المركبات الفينولية النشطة
تُظهر الأبحاث الأخيرة دوراً واعداً لمركبات الزيتون الفينولية في تعزيز الصحة. فقد أظهرت مراجعة حديثة لتجارب سريرية عشوائية أن تناول مكملات الأوليوروبين أو الهيدروكسي تايروسول قد يساهم في تحسين التمثيل الغذائي، مثل خفض الوزن وتحسين مستويات الدهون والسكر في الدم. كما سجلت بعض التحسينات في وظائف العظام والمفاصل والوظائف الإدراكية بين المشاركين في تلك الدراسات. وتحتوي ثمار الزيتون ومشتقاتها على تركيزات متفاوتة من هذه المركبات، إذ تمتلك بعض الأصناف القديمة من الزيتون مستويات أعلى من الأوليوروبين، في حين تحتوي الأصناف الناضجة الغامقة على فيتامينات وفينولات أخرى (مثل الأنثوسيانينات) تمنحها لونا أسوداً وتضاف إليها فوائد مضادة للأكسدة. بشكل عام، يُستنتج من الأبحاث الحديثة أن المركبات الفينولية في الزيتون (كالأوليوروبين والأوليوكانثال والهيدروكسي تايروسول) تساهم بشكل ملحوظ في الوقاية من الأمراض المزمنة ودعم الصحة العامة.
المقارنات بين الزيتون الأخضر والأسود
لجمع القارئ صورة أوضح، يجدر الإشارة إلى الفروقات بين الزيتون الأخضر (غير الناضج) والأسود (الناضج). يتميز الزيتون الأخضر بطعمه المر لاحتوائه على الأوليوروبين بوفرة، كما يحتوي على دهون وألياف أكثر مقارنةً بالأصناف السوداء. أما الزيتون الأسود فهو أحلى وله لون غامق بفعل صبغات مثل الأنثوسيانين، ويحتوي على نسبة دهون أعلى وطاقة حرارية أقل (كما في الجدول أعلاه). وبشكل عام فإن كلا النوعين يوفر فوائد غذائية، لكن قد يُفضّل البعض الزيتون الأخضر لزيادة الألياف أو الأسود لطعمه الخفيف ودسمه.
الخاتمة
الزيتون وشجرة الزيتون هما رمز للتراث الزراعي وأساس للنمط الغذائي الصحي في حوض المتوسط. إن الفوائد العديدة لأكل الزيتون وتناول زيت الزيتون موثّقة علمياً في دراسات حديثة، من بينها حماية القلب والشرايين، ودعم الذاكرة والدماغ، وتنظيم مستوى السكر والوزن، وتعزيز صحة الجهاز الهضمي والمناعة. لذا، يُنصح بإدراج الزيتون وزيته في النظام الغذائي اليومي بشكل متوازن — مثلاً بإضافتهما إلى السلطات والأطعمة الصحية — للاستفادة من مركباتهما المفيدة. وللحفاظ على فوائد الزيتون، يُفضّل استهلاك الزيتون البكر والزيت الذي يُستخرج بعناية (Extra Virgin) أكثر من الأنواع المكرّرة. بهذا الشكل، يجمع الفرد بين التقليد العريق والفوائد العصرية للزيتون في حياته اليومية.

جامعة المستقبل الجامعة الأولى في العراق