د. مهدي حمزة منذور
يمثل الثاني عشر من شهر أيار/مايو من كل عام مناسبة عالمية جليلة، نحتفي فيها بـ "اليوم العالمي للتمريض". إنه يوم مخصص لتكريم المساهمات الهائلة التي يقدمها الممرضون والممرضات في جميع أنحاء العالم، وتقدير تفانيهم الذي لا يلين في رعاية الأفراد والمجتمعات، وتسليط الضوء على الدور الحيوي الذي يلعبونه في أنظمة الرعاية الصحية. هذا اليوم ليس مجرد احتفال بمهنة نبيلة، بل هو أيضًا فرصة للتأمل في تاريخ التمريض وتطوره، والتحديات التي يواجهها العاملون فيه، والجهود المستمرة لتعزيز هذه المهنة الأساسية.
جذور الاحتفال: إحياء ذكرى رائدة
يعود اختيار الثاني عشر من مايو تحديدًا للاحتفال باليوم العالمي للتمريض إلى ذكرى ميلاد رائدة التمريض الحديث، فلورنس نايتنجيل (1820-1910). كانت نايتنجيل مصلحة اجتماعية وعالمة إحصاء وممرضة بريطانية، اشتهرت بعملها الرائد في تطوير التمريض كمِهنة منظمة ومحترمة. خلال حرب القرم، أحدثت نايتنجيل ثورة في رعاية الجنود الجرحى من خلال تطبيق مبادئ النظافة والصرف الصحي، مما أدى إلى انخفاض كبير في معدلات الوفيات.
لم يقتصر تأثير نايتنجيل على تحسين الرعاية المباشرة للمرضى، بل امتد ليشمل تأسيس أول مدرسة تمريض علمانية في مستشفى سانت توماس بلندن عام 1860. وضعت نايتنجيل بذلك الأسس للتعليم الرسمي للتمريض، وأكدت على أهمية التدريب القائم على الأدلة، والمعايير المهنية، والرعاية الشاملة للمرضى. رؤيتها الثاقبة وتفانيها الراسخ رسما مسار التمريض الحديث وألهما أجيالًا من الممرضين والممرضات.
بدأ الاحتفال باليوم العالمي للتمريض رسميًا في عام 1965 من قبل المجلس الدولي للممرضين (ICN). وفي عام 1974، تم تحديد يوم ميلاد فلورنس نايتنجيل، الثاني عشر من مايو، ليصبح الاحتفال السنوي بهذا اليوم. منذ ذلك الحين، أصبح هذا اليوم مناسبة عالمية للاعتراف بالعمل الشاق والتضحيات التي يقدمها الممرضون في جميع أنحاء العالم.
الممرضون: حجر الزاوية في الرعاية الصحية
لا يمكن المبالغة في تقدير الدور الحيوي الذي يلعبه الممرضون في أنظمة الرعاية الصحية. فهم يمثلون خط الدفاع الأول في تقديم الرعاية للمرضى، بدءًا من الرعاية الوقائية وتعزيز الصحة، وصولًا إلى إدارة الأمراض الحادة والمزمنة، والرعاية التلطيفية في نهاية الحياة. إنهم يقضون ساعات طويلة بجانب المرضى، يقدمون لهم الدعم الجسدي والعاطفي والمعنوي، ويساعدونهم على التعافي واستعادة صحتهم.
تتجاوز مسؤوليات الممرضين تقديم العلاج والرعاية السريرية. فهم يلعبون دورًا حاسمًا في تثقيف المرضى وعائلاتهم حول حالتهم الصحية وخيارات العلاج، وتمكينهم من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن رعايتهم. كما أنهم يعملون كحلقة وصل مهمة بين المرضى والأطباء وغيرهم من متخصصي الرعاية الصحية، مما يضمن تنسيق الرعاية وتقديمها بشكل فعال وشامل.
بالإضافة إلى ذلك، يساهم الممرضون بشكل كبير في تعزيز الصحة العامة والوقاية من الأمراض على مستوى المجتمع. إنهم يشاركون في حملات التوعية الصحية، ويقدمون الاستشارات الصحية، ويدعمون الأفراد والمجتمعات في تبني أنماط حياة صحية. في أوقات الأزمات والكوارث، يكون الممرضون في طليعة المستجيبين، يقدمون الرعاية الطارئة وينقذون الأرواح في ظروف صعبة ومجهدة.
تحديات وفرص: مستقبل التمريض
على الرغم من الأهمية المتزايدة لدورهم، يواجه الممرضون في جميع أنحاء العالم العديد من التحديات. تشمل هذه التحديات نقص أعداد الممرضين، وزيادة عبء العمل، والإجهاد المهني، وعدم كفاية الأجور والمزايا، والحاجة إلى مزيد من التدريب والتطوير المهني المستمر.
إن نقص أعداد الممرضين يمثل تحديًا عالميًا يؤثر على جودة الرعاية الصحية وإمكانية الوصول إليها. يزداد الطلب على خدمات التمريض مع تقدم السكان في العمر وزيادة انتشار الأمراض المزمنة، في حين أن أعداد الخريجين الجدد لا تزال غير كافية لسد هذه الفجوة. يؤدي هذا النقص إلى زيادة عبء العمل على الممرضين الحاليين، مما يزيد من خطر الإرهاق المهني وتدهور جودة الرعاية.
بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يواجه الممرضون ضغوطًا عاطفية ونفسية كبيرة نتيجة لتعاملهم اليومي مع المرض والمعاناة والموت. إن تقديم الرعاية الرحيمة في مثل هذه الظروف يتطلب قوة عاطفية ومرونة كبيرة، ويمكن أن يؤدي إلى الإجهاد المهني إذا لم يتم توفير الدعم الكافي.
ومع ذلك، فإن مهنة التمريض تحمل أيضًا العديد من الفرص للنمو والتطور. مع التقدم في التكنولوجيا والرعاية الصحية، تتاح للممرضين فرص متزايدة للتخصص في مجالات مختلفة، مثل الرعاية الحرجة، وتمريض الأطفال، والصحة النفسية، والرعاية المسنين. كما أن هناك اعترافًا متزايدًا بأهمية دور الممرضين في القيادة وصنع السياسات الصحية، مما يفتح آفاقًا جديدة للمساهمة في تحسين أنظمة الرعاية الصحية على نطاق أوسع.
الاحتفال باليوم العالمي للتمريض: تقدير ودعوة للعمل
يمثل اليوم العالمي للتمريض فرصة مهمة لتوجيه الشكر والتقدير لجميع الممرضين والممرضات على عملهم الدؤوب وتفانيهم. إنه يوم للاحتفاء بإنجازاتهم، والاعتراف بتضحياتهم، وتسليط الضوء على التأثير الإيجابي الذي يحدثونه في حياة الأفراد والمجتمعات.
بالإضافة إلى الاحتفال، يجب أن يكون هذا اليوم أيضًا دعوة للعمل. يجب على الحكومات والمؤسسات الصحية والمجتمع ككل أن يتحدوا لدعم مهنة التمريض وتوفير الظروف التي تمكن الممرضين من تقديم أفضل رعاية ممكنة. يتضمن ذلك الاستثمار في تعليم وتدريب التمريض، وتحسين ظروف العمل والأجور والمزايا، وتوفير الدعم النفسي والمهني للممرضين، وضمان وجود أعداد كافية من الممرضين المؤهلين لتلبية احتياجات الرعاية الصحية المتزايدة.
في هذا اليوم العالمي للتمريض، دعونا نتذكر أن الممرضين ليسوا مجرد مقدمي رعاية، بل هم أيضًا دعاة للمرضى، وقادة في مجال الرعاية الصحية، ورواد في تعزيز الصحة والوقاية من الأمراض. إن تفانيهم ورحمتهم والتزامهم بالرعاية الجيدة هي أساس نظام رعاية صحية فعال وعادل. فلنقف جميعًا تقديرًا لعملهم الحيوي، ولنعمل معًا لضمان حصولهم على الدعم والتقدير الذي يستحقونه. إن مستقبل الرعاية الصحية يعتمد بشكل كبير على قوة والتزام مهنة التمريض.
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق .
الهدف الثالث من اهداف التنمية المستدامة الصحة الجيدة والرفاه