م.د. مهدي حمزة منذور / كلية التمريض
يُعدّ تمكين المجتمعات والتعاون الفعّال مع المؤسسات المحلية من الركائز الأساسية لتمريض صحة المجتمع الحديث. في عالم يتسم بالتحديات الصحية المتزايدة والمتغيرة، لم يعد التركيز على العلاج الفردي كافيًا؛ بل أصبح من الضروري تبني نهج شامل يستهدف تحسين الصحة على مستوى المجتمع ككل. يُمكّن هذا النهج المجتمعات من تولي زمام المبادرة في قضاياها الصحية، ويُعزز قدرة الممرضين على إحداث تأثير مستدام وإيجابي.
مفهوم تمكين المجتمع في سياق الصحة
يشير تمكين المجتمع إلى العملية التي يكتسب من خلالها الأفراد والمجموعات السيطرة على العوامل التي تؤثر في صحتهم وحياتهم. يتجاوز هذا المفهوم مجرد تقديم المعلومات الصحية، ليشمل بناء القدرات، وتعزيز الثقة بالنفس، وتطوير المهارات اللازمة لاتخاذ قرارات صحية مستنيرة والدفاع عن احتياجاتهم. في سياق تمريض صحة المجتمع، يتم تمكين المجتمعات من خلال:
•تحديد الأولويات الصحية: مساعدة أفراد المجتمع على فهم التحديات الصحية التي يواجهونها وتحديد أهمها بالنسبة لهم.
•بناء القدرات: تزويد الأفراد والجماعات بالمعرفة والمهارات اللازمة لتحسين صحتهم، مثل مهارات حل المشكلات، والتفاوض، والدعوة الصحية.
•تعزيز المشاركة: تشجيع أفراد المجتمع على المشاركة الفعّالة في تخطيط وتنفيذ وتقييم البرامج الصحية.
•توفير الموارد: ربط المجتمعات بالموارد المتاحة، سواء كانت حكومية، أو غير حكومية، أو مجتمعية، والتي يمكن أن تدعم جهودهم الصحية.
أهمية التعاون مع المؤسسات المحلية
لا يمكن لتمريض صحة المجتمع أن يعمل بمعزل عن البيئة التي يخدمها. يُعدّ التعاون مع المؤسسات المحلية أمرًا حيويًا لعدة أسباب:
1.زيادة مدى الوصول والشمولية: تمتلك المؤسسات المحلية، مثل المدارس، والمراكز المجتمعية، والمساجد/الكنائس، والمنظمات غير الحكومية، شبكات راسخة وعلاقات ثقة داخل المجتمع. يُمكّن التعاون معها الممرضين من الوصول إلى شرائح أوسع من السكان، بما في ذلك الفئات التي يصعب الوصول إليها تقليديًا.
2.تحديد الاحتياجات الحقيقية: تساعد الشراكة مع المؤسسات المحلية الممرضين على فهم أعمق للظروف الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية التي تؤثر في صحة المجتمع. غالبًا ما تكون هذه المؤسسات على دراية مباشرة بالتحديات الفريدة التي يواجهها السكان المحليون.
3.بناء الثقة والمصداقية: عندما يعمل الممرضون جنبًا إلى جنب مع كيانات مجتمعية موثوقة، تزداد ثقة المجتمع في الخدمات الصحية المقدمة. هذا يُسهّل عملية التثقيف الصحي والتدخلات الوقائية.
4.استدامة البرامج: تسهم الشراكات القوية في بناء قدرات المجتمع على المدى الطويل. فبدلاً من الاعتماد الكلي على الممرضين الخارجيين، تصبح البرامج الصحية أكثر استدامة عندما يشارك قادة المجتمع والأعضاء الفاعلون في تنفيذها وإدارتها.
5.تخصيص التدخلات: يسمح التعاون بتصميم تدخلات صحية تتناسب بشكل أفضل مع السياق الثقافي والاجتماعي لكل مجتمع، مما يزيد من فعاليتها. على سبيل المثال، قد تختلف برامج التوعية الغذائية بين المجتمعات الحضرية والريفية.
أمثلة عملية للتعاون والتمكين
تتجلى قيمة تمكين المجتمعات والتعاون مع المؤسسات المحلية في العديد من المبادرات الناجحة:
•المدارس: يمكن للممرضين المدرسيين أو ممرضي صحة المجتمع التعاون مع المدارس لتنفيذ برامج التثقيف الصحي حول التغذية السليمة، والنشاط البدني، والوقاية من التنمر، والصحة النفسية. يمكن للمدرسة توفير المساحة، والموارد، والوصول إلى الطلاب وأولياء الأمور، بينما يقدم الممرضون الخبرة السريرية والتربوية.
•المراكز المجتمعية: تُعدّ المراكز المجتمعية منصات مثالية لإقامة عيادات صحية متنقلة، أو ورش عمل حول إدارة الأمراض المزمنة (مثل السكري وارتفاع ضغط الدم)، أو مجموعات دعم للصحة النفسية. يمكن للمركز توفير البنية التحتية وجذب المشاركين من خلال شبكته.
•منظمات المجتمع المدني (NGOs): يمكن للممرضين التعاون مع المنظمات غير الحكومية التي تركز على قضايا محددة، مثل العنف الأسري، أو رعاية المسنين، أو دعم الأشخاص ذوي الإعاقة. يمكن للممرضين تقديم الرعاية المباشرة أو التدريب الصحي للموظفين والمتطوعين في هذه المنظمات.
•المساجد والكنائس: تلعب المؤسسات الدينية دورًا محوريًا في العديد من المجتمعات. يمكن للممرضين الاستفادة من هذه المنصات لنشر الوعي الصحي خلال الخطب أو التجمعات الدينية، وتقديم خدمات فحص الصحة الأساسية.
•المجالس المحلية والبلديات: يمكن أن يؤدي التعاون مع الهيئات الحكومية المحلية إلى سن سياسات داعمة للصحة، مثل توفير مساحات خضراء للنشاط البدني، أو تحسين جودة الهواء، أو دعم برامج إعادة التدوير.
تحديات وفرص مستقبلية
على الرغم من الفوائد الواضحة، يواجه تمكين المجتمعات والتعاون مع المؤسسات المحلية بعض التحديات:
•اختلاف الأجندات والأولويات: قد تختلف أهداف الممرضين عن أهداف المؤسسات المحلية، مما يتطلب التفاوض وبناء التوافق.
•نقص الموارد: قد تواجه كل من فرق التمريض والمؤسسات المحلية قيودًا في الموارد البشرية والمالية.
•بناء الثقة: يستغرق بناء الثقة بين الممرضين والمجتمع وقتًا وجهدًا كبيرين.
مع ذلك، فإن الفرص المتاحة تفوق التحديات بكثير. مع التطورات في التكنولوجيا الصحية، والتركيز المتزايد على الوقاية والرعاية الأولية، يصبح دور تمكين المجتمعات والتعاون مع المؤسسات المحلية أكثر أهمية من أي وقت مضى. يجب على ممرضي صحة المجتمع أن يكونوا قادة في هذا المجال، وأن يسعوا باستمرار لبناء جسور قوية مع الشركاء المحليين لضمان صحة ورفاهية مجتمعاتهم
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق