نحو أنماط إنتاج واستهلاك مستدامة تحافظ على الموارد للأجيال القادمة تاريخ الخبر: 13/08/2025 | المشاهدات: 590

مشاركة الخبر :

أ.د حيدر علي الدليمي
كلية العلوم الادارية – جامعة المستقبل
يشهد العالم اليوم تحوّلًا جذريًا في إدراكه لأهمية العلاقة بين النشاط الاقتصادي وصحة النظم البيئية. فالتطور الصناعي والتكنولوجي، رغم ما حققه من رفاهية وتقدم، أسهم في استنزاف الموارد الطبيعية وتسارع معدلات التلوث وتغيّر المناخ. ومع تزايد عدد السكان وارتفاع الطلب العالمي على الغذاء والطاقة والمواد الخام، بات من الواضح أن استمرار الأنماط التقليدية في الإنتاج والاستهلاك سيقود إلى أزمات بيئية واقتصادية عميقة تهدد استدامة الحياة على الأرض.
يتمحور مفهوم الإنتاج والاستهلاك المستدامين حول كيفية إعادة هيكلة طريقة استخدام الموارد، بحيث يتم تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. وهذا يتطلب تحولًا بنيويًا في السياسات الاقتصادية، ونماذج الأعمال، وسلوك المستهلكين، بحيث يُنظر إلى الموارد على أنها أصول استراتيجية محدودة، وليست مواد خامًا متاحة بلا نهاية.
على صعيد الإنتاج، يتطلب الأمر تطبيق الاقتصاد الدائري الذي يقوم على إعادة الاستخدام، وإصلاح المنتجات، وإعادة التدوير، بدلاً من نموذج الاقتصاد الخطي القائم على (الاستخراج – التصنيع – التخلص). كما يتعين إدماج التقنيات النظيفة والابتكار البيئي في جميع مراحل سلسلة الإمداد، بدءًا من تصميم المنتج وحتى وصوله إلى المستهلك، بهدف خفض البصمة الكربونية وتقليل المخلفات.
أما على صعيد الاستهلاك، فالمسؤولية مشتركة بين الأفراد والمؤسسات والحكومات. إذ يتعين تعزيز الوعي المجتمعي بقيمة السلوك الاستهلاكي الواعي، من خلال اختيار المنتجات الصديقة للبيئة، وتقليل الهدر الغذائي، ودعم الصناعات المحلية منخفضة الانبعاثات. ويجب أن تدعم السياسات العامة هذا التوجه عبر الحوافز الضريبية، وتشجيع الاستثمار في الطاقات المتجددة، ووضع معايير بيئية ملزمة للإنتاج.
إن التحول إلى أنماط إنتاج واستهلاك مستدامة ليس مسارًا سهلاً، بل يتطلب إرادة سياسية، وتغييرًا ثقافيًا، وابتكارًا اقتصاديًا. غير أن ثماره بعيدة المدى – من حماية التنوع البيولوجي، وضمان الأمن الغذائي والمائي، إلى تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي – تجعل هذا التحول استثمارًا في بقاء الإنسانية نفسها.
إن الموارد التي نستهلكها اليوم ليست ملكًا لنا وحدنا، بل هي أمانة في أعناقنا للأجيال القادمة. وحين نعيد صياغة علاقتنا بها على أساس الاستدامة، نكون قد وضعنا حجر الأساس لمستقبل لا يقتصر على البقاء، بل يقوم على الازدهار المشترك بين الإنسان والطبيعة.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.