شهد نظرية التبعية، ذات الجذور الماركسية، اهتمامًا متزايدًا في الأوساط الأكاديمية والسياسية، خصوصًا في دول الجنوب العالمي. وظهرت النظرية للمرة الأولى في أمريكا اللاتينية وفرنسا، وبدأت تكتسب رواجًا واسعًا في سبعينيات القرن الماضي، خاصة بين مفكري ومثقفي الدول النامية، في محاولة لفهم طبيعة العلاقات الاقتصادية غير المتكافئة بين الشمال والجنوب.
وتُعنى النظرية بتحليل حالة الجمود السياسي والمؤسساتي والاقتصادي التي تعاني منها الدول النامية، مشيرة إلى أنها أسيرة علاقات هيمنة مع الدول الرأسمالية الكبرى، ما يجعلها في موقع "التبعية البنيوية".
ويُعد المفكر البرازيلي دوس سانتوس من أبرز منظّري هذه المدرسة، حيث عرّف التبعية بأنها "حالة يكون فيها اقتصاد بلد معين مشروطًا بتوسع اقتصاد بلد آخر"، مما يسمح للدول المهيمنة بمواصلة النمو الذاتي، بينما تكون الدول التابعة غير قادرة على ذلك إلا بقدر ما يخدم مصالح الأطراف المسيطرة.
وصنّف سانتوس التبعية إلى ثلاثة أشكال رئيسية:
التبعية الاستعمارية: حيث يحتكر رأس المال الأجنبي مفاصل التجارة في اقتصاديات المستعمرات.
التبعية المالية/الصناعية: والتي تتركز في سيطرة رأس المال الأجنبي على إنتاج المواد الأولية والزراعية.
التبعية التكنولوجية/الصناعية: وتبرز من خلال تبني الشركات متعددة الجنسيات صناعات موجهة لتلبية الطلب المحلي في الدول المتخلفة، ضمن استراتيجية إحلال الواردات.
ويُعد كل من أندريه جوندر فرانك، بول باران، سمير أمين، إيمانويل واليرشتاين، وراؤول بريبيش من أبرز مفكري هذا الاتجاه. ويُذكر أن بريبيش، من خلال مقاله الشهير في مجلة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية عام 1950، قدّم نظرية "المركز والأطراف"، التي تشرح كيف أن العلاقة بين الدول الصناعية المتقدمة والدول النامية هي علاقة غير متكافئة تصب في مصلحة المركز على حساب الأطراف.
وترى نظرية التبعية أن استمرار الفجوة التنموية بين الشمال والجنوب يُعزى إلى عوامل عدة، أبرزها: اعتماد الدول النامية على رأس المال الأجنبي، تصدير الفائض الاقتصادي إلى الخارج، الاعتماد على التكنولوجيا المستوردة، وتدهور شروط التبادل التجاري، بالإضافة إلى تأثيرات اجتماعية وثقافية ذات جذور استعمارية، تعيق تحقيق الاستقلال الاقتصادي.
وتبقى هذه النظرية، رغم التحديات النقدية التي واجهتها، أحد أبرز المداخل التحليلية لفهم اختلال النظام الاقتصادي العالمي، وعلاقات القوة التي تحكمه حتى اليوم.
دكتور ثامر رمضان - كلية القانون جامعة المستقبل
جامعة المستقبل الاولى على الجامعات الحكومية والاهلية في العراق