الخطأ في فقه القانون هو الإخلال بواجب قانوني؛ سواءً أكان إلتزاما بمعناه الدقيق – وهو ما يعنينا في مجال البحث في المسؤولية العقدية- أم كان واجبًا قانونيًا عاماً فتترتب المسؤولية التقصيرية عن الإخلال به،والخطأ العقدي هو عدم قيام المدين بتنفيذ التزامه سواءً نتج ذلك عن عمد أم عن إهمال ، والخطأ المهني للمستشار المعالج هو الخطأ الذي يصدر عن المستشار المعالج ( وهو المصرف هنا ) أثناء مزاولته لمهنته؛ ويترتب عليه مخالفة القوانين والأنظمة أو الجهل بها، وكل خرق لواجبات وآداب المهنة وتقاليدها وقواعد السلوك الملزمة ، وتسبب هذا الخطأ المهني بضرر مادي أو معنوي لحق بالمشروع ، والخطأ المهني للمستشار المعالج هو تقصير في مسلك عمله لا يقع فيه المستشار اليقظ إذا ما وجد في ذات الظروف التي أحاطت بالمستشار المخطيء .
وقد إستقر القضاء على قيام مسؤولية المستشار المعالج في حالة ارتكابه خطأً مهنيًا، متى تحقق هذا الخطأ؛ دون النظر إلى صفته سواءً أكان جسيمًا أم يسيرًا، متى كان هذا الخطأ المهني ثابتًا وواضحًا، ويعد من الأخطاء المهنية " كل سلوكٍ يعد خروجًا عن المألوف من أهل الصنعة في بذل العناية التي تقتضيها أصول المهنة وقواعد المهنة وقواعد الفن ، وقواعد الخبرة والأعراف والعادات والتقاليد المصرفية السارية ، وعلى ذلك فإن الخطأ المهني هو كل خطأ يأتيه المستشار المعالج ، ويعد خروجا عن المألوف في مهنته المصرفية ؛ وفي بذل العناية التي تقتضيها أصول وقواعد وأعراف مهنته المصرفية .
ومعيار خطأ المستشار المهني هو معيارٌ موضوعيٌ يتمثل في السلوك المألوف لمستشارٍ آخرٍ متوسطٍ دون النظر إلى ظروفه الشخصية،ويشمل ما يأتي :
1-كل مخالفةٍ للقوانين والأنظمة أو الجهل بها إذا لحق بالمشروع نتيجةً لذلك ضررٌ ماديٌ أو معنويٌ .
2-كل خرقٍ لواجبات وآداب المهنة وتقاليدها، وقواعد السلوك الملزمة .
3-كل إخلالٍ بالنزاهة والشفافية والإستقامة .
إثبات الخطأ المهني :
أولًا / حالة ما إذا كان الإلتزام ببذل عناية:
وفق القاعدة العامة في الإثبات، على صاحب المشروع أن يثبت عقد الوكالة أو عقد المشورة ، والتي لم يبذل فيها المستشار المعالج العناية اللازمة في تنفيذ التزامه، وأنه قد أهمل أو انحرف عن القواعد والأنظمة والأصول والأعراف المتبعة في مهنته المصرفية ، وأن صاحب المشروع قد أصابه ضررٌ نتيجةً لذلك، ومقدار هذا الضرر الذي لحق به ، ويجوز للمستشار المعالج أن ينفي مسئوليته بإقامة الدليل على قيامه ببذل العناية اللازمة المتفقة مع أصول مهنته أو أن عدم تنفيذ التزامه يرجع إلى سببٍ أجنبيٍ لايد له فيه أو يرجع إلى خطأ الموكل( صاحب المشروع ).
بيد أنه غالبًا ما لا يستطيع الموكل أو صاحب المشروع إثبات عدم بذل المستشار المعالج العناية الواجبة ، لذلك يقترح البعض من فقهاء القانون التجاري ، أن يكون الخطأ هنا خطئًا مفترضًا من قبل القانون من جانب المستشار المعالج ، ولكنه قابلٌ لإثبات العكس ، بحيث يستطيع المستشار المعالج نفي الخطأ المفترض في جانبه بإثبات بذله العناية المطلوبة، وذلك بأن يثبت كفاية دفاعه في المرافعة أو صواب الإستشارة التي قدمها صاحب المشروع .
ثانيًا / في حالة الإلتزام بتحقيق غاية/ نتيجة:
يعد عدم تنفيذ المستشار المعالج لإلتزامه خطئًا مفترضًا إفتراضًا غير قابل لإثبات العكس، ويتحمل صاحب المشروع (الموكل ) عب إثبات عدم تحقق النتيجة التي كان على المستشار المعالج القيام بها؛ وإثبات الضرر الذي لحق به نتيجة عدم تحقق النتيجة المرجوة، وينتقل عبء الإثبات للمستشار المعالج لإثبات إما أنه نفذ التزامه، أو أن عدم تنفيذ هذا الإلتزام يرجع لسببٍ أجنبيٍ لا يد له فيه، ويعد من أهم تطبيقات الخطأ المهني للمستشار المعالج ما يأتي :
1-إفشاء سر العميل: عدم إفشاء سر المهنة واجبٌ قانونيٌ نصت عليه القوانين والتشريعات والأنظمة القانونية المقارنة .
2-أداء شهادةٍ ضد موكله صاحب المشروع أو إفشاء سرٍ أؤتمن عليه أو عرفه عن طريق مهنته المتعلقة بأسرار الموكلين لدى القضاء في مختلف الظروف ولو بعد انتهاء عقد المشورة .
3-عدم توفير أشخاصٍ كفوؤين أو متخصصين للقيام بواجبات عقد المعالجة الإلكترونية للأوراق المالية على نحوٍ سليمٍ .
الضرر :
يعد الضرر شرطًا إلزاميًا لتحقق المسؤولية وترتيب التعويض، فالهدف من المسؤولية هو إصلاح الضرر، فالضرر هو الركن الأساس في المسؤولية؛ لأنها تعتمد عليه في قيامها من أجل جبره ولا قيام لها بدونه، وقد يكون هذا الضرر ماديًا يصيب صاحب المشروع في جسمه أو في ذمته المالية، ويشترط أن يكون الضرر محققًا؛ سواء أكان حالا أم تراخى وقوعه إلى المستقبل، فإذا كان محقق الوقوع في المستقبل، يجوز للقاضي تقديره بما لديه من عناصر الدعوى، وإذا لم يستطع تقديره فور وقوع سببه، للقاضي أن يحكم بالتعويض عن الضرر الذي تحقق بالفعل مع حفظ حق المضرور في المطالبة بإستكمال التعويض عند تحقق الضرر، فلا تعويض عن الضرر المحتمل إلا إذا تحقق فعلًا، كما يشترط أن يكون الضرر مباشرًا، أي ناشئًا عن الخطأ المهني للمستشار المعالج مباشرة، أي أنه نتيجةٌ طبيعيةٌ لعدم الوفاء بالإلتزام أو للتأخر في الوفاء به ، فإذا كانت مسؤولية المستشار المعالج مسؤوليةٌ عقديةٌ فإن التعويض يقتصر على الضرر المباشر المتوقع فقط إلا في حالتي الغش والخطأ الجسيم فإنه يسأل عن الضرر غير المتوقع، أما إذا كانت مسؤوليته تقصيرية فإن التعويض يشمل الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع .
تفويت الفرصة:
يقصد بتفويت الفرصة حرمان صاحب المشروع من فرصةً كان من المحتمل أن تعود عليه بالكسب، ويذهب غالب الفقه والقضاء إلى أن مجرد تفويت الفرصة من قبل المستشار المعالج يعد في حد ذاته ضررًا محققًا يستوجب التعويض عن الفرصة لا عن نتيجتها، وعلى ذلك يعتبر المستشار المعالج مسؤولًا عن تفويت الفرصة على صاحب المشروع ، أو من يدافع عنه بالتراخي في إتخاذ الإجراء القانوني في الميعاد، كما لو أقام الدعوى بعد مرور الزمن، أو طعن في الحكم بعد المدة القانونية، وهو يسأل بسبب هذا التقصير عن تعويض المتضرر لأن تفويت الفرصة في حد ذاته ضررٌ محققٌ يستوجب التعويض .
نستنتج مما تقدم ذكره ما يلي :
1-إن مسؤولية المصرف وهو المستشار المعالج هنا قد تكون مسؤولية عقدية قائمة على أساس عقد المعالجة الألكترونية للأوراق المالية ، وقد تكون مسؤولية تقصيرية ناتجة عن الأخلال بواجبٍ يفرضه القانون .
2-إن إلتزام المستشار المعالج قد يكون إلتزامًا بنتيجةٍ متى ما أخل بأي عملٍ تقنيٍ واجبٌ عليه أن يقوم به لمصلحة صاحب المشروع ، وقد يكون إلتزامًا بوسيلةٍ متى ما تعلق الأمر بأي إستشارةٍ أو خبرةٍ يقدمها إلى الموكل صاحب المشروع .
3-تحقق الضرر على صاحب المشروع سببٌ رئيسيٌ للحكم بالتعويض لجبر الضرر ولأن التعويض يدور مع الضرر وجودًا وعدمًا وصحةً وبطلانًا .
4-يعد مجرد تفويت الفرصة ضررًا محققًا تقوم عليه مسؤولية المستشار المعالج يوجب التعويض.
الحقوقي الدكتور ثامر عبد الجبار عبد العباس السعيدي
دكتوراة في فلسفة القانون الخاص / القانون التجاري/ التجارة الإلكترونية
مفتش أول أقدم في وزارة الإتصالات / الدائرة الإدارية والمالية
تدريسي في جامعة المستقبل / كلية القانون
جامعة المستقبل الاولى على الجامعات الحكومية والاهلية في العراق
مقالة مقترحة