تُعدّ اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) من أبرز الاتفاقيات الدولية التي تبنّتها الأمم المتحدة عام 1979، بهدف تحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل. ورغم ما تتضمنه الاتفاقية من مبادئ إيجابية في مجالات التعليم والعمل والحماية من العنف، إلا أن العديد من بنودها تتعارض صراحة مع ما جاء في القرآن الكريم، الذي يُعدّ المصدر الأساسي للتشريع في الدول الإسلامية، ومنها العراق.
أولى الفروقات الجوهرية تتعلق بمفهوم المساواة؛ فبينما تدعو سيداو إلى المساواة المطلقة في جميع الحقوق والواجبات دون مراعاة للفروق البيولوجية أو النفسية، يقرر القرآن الكريم أن هناك عدالة تكاملية بين الجنسين، مبنية على الفطرة:﴿ وليس الذكر كالأنثى ﴾[آل عمران: 36].
كذلك، ترفض سيداو تعدد الزوجات وتعتبره تمييزًا ضد المرأة، في حين يُبيحه الإسلام بضوابط صارمة:﴿ فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ﴾[النساء: 3]. أما في مسألة الولاية، فتنكر الاتفاقية ولاية الأب أو الزوج على المرأة أو البنت، بينما يقرر القرآن:﴿ الرجال قوامون على النساء ﴾[النساء: 34]، أي يتحملون مسؤولية النفقة والرعاية والحماية.
وفيما تطالب سيداو بأن يكون الميراث متساويًا بين الذكر والأنثى، فإن القرآن يُميز بينهما في بعض الحالات، مراعيًا اختلاف المسؤوليات المالية:﴿ للذكر مثل حظ الأنثيين ﴾[النساء: 11]. كما تنكر سيداو العدة بعد الطلاق أو الوفاة، وتعدّها تقييدًا لحرية المرأة، لكن القرآن يوجبها لصيانة الأنساب والحقوق:﴿ والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ﴾[البقرة: 228].
ومن أبرز الخلافات أيضًا، أن سيداو لا تُجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، وتدافع عن "الحرية الجسدية"، بل وتقرّ بزواج المثليين، في حين أن القرآن يُحرّم الزنا تحريمًا قاطعًا:﴿ ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ﴾[الإسراء: 32]، كما يُدين المثلية الجنسية:﴿ أئنكم لتأتون الذكران من العالمين ﴾[الشعراء: 165].
كما تنادي سيداو بأن يكون نَسب الأبناء للأم أو الطرف الذي تختاره، في حين يُلزم الإسلام بنسبتهم إلى آبائهم الحقيقيين:﴿ ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله ﴾[الأحزاب: 5].
إن هذه الفروقات لا تعبّر فقط عن اختلاف في التفاصيل، بل عن تباين جذري في المرجعية الفكرية والتشريعية؛ فسيداو تنطلق من فلسفة علمانية عالمية، بينما يُبنى التشريع الإسلامي على أوامر إلهية لا تخضع للمساومة أو التفاوض. لذا، فإن أي محاولة لتطبيق بنود سيداو في البلدان الإسلامية يجب أن تراعي ثوابت الشريعة، وتُميّز بين ما يُقبل منها وما يُخالف نصوص القرآن الكريم وأحكامه القطعية.
وفي السياق العراقي، فإن الدستور العراقي لسنة 2005 يؤكد بوضوح في المادة (2/أولًا) "الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع." كما تنص الفقرة (أ/ثانيًا) من نفس المادة على" لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام". وهذا النص الدستوري يُلزم المشرّع العراقي بعدم قبول أو تمرير أي اتفاقية أو قانون يتصادم مع أحكام الإسلام القطعية، مثل تلك التي تتعارض مع أحكام الميراث، أو تجيز الزواج المثلي، أو تنفي الولاية الشرعية، أو تساوي بين الذكر والأنثى في كل شيء دون اعتبار للفروق التي قررها الشرع.
وبناءً عليه، فإن البنود الجوهرية في اتفاقية سيداو التي تتصادم مع النصوص الشرعية لا يمكن دستوريًا قبولها أو تطبيقها داخل العراق، إلا بعد تعديل الدستور نفسه، وهو ما يتنافى مع هوية الدولة وثقافتها وقيمها المجتمعية.
د. علي جاسم محمد السعدي
تدريسي كلية القانون - جامعة المستقبل
جامعة المستقبل الاولى على الجامعات الحكومية والاهلية في العراق
خبر موصى به ( إضغط هنا )