انت الان في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة

مقالة بعنوان الرياضة في العراق الفارق بين الأمس واليوم: إرث ذهبي وواقع مرير للتدريسي م.م الحسن علي خالد تاريخ الخبر: 08/07/2025 | المشاهدات: 398

مشاركة الخبر :

تراجع المستوى الرياضي لدى الأجيال الحديثة في العراق: نظرة تحليلية
لطالما كان العراق مهد الحضارات وواحة للمواهب، وشهدت ساحاته الرياضية في العقود الماضية إنجازات لافتة في مختلف الألعاب، لا سيما كرة القدم ورفع الأثقال والملاكمة. إلا أن المتابع للواقع الرياضي العراقي اليوم، يلحظ تراجعًا ملحوظًا في مستوى الأداء والإنجازات لدى الأجيال الحديثة مقارنة بسابقاتها. هذا التراجع ليس مجرد انحدار عابر، بل هو نتيجة لتراكم عوامل وتحديات عدة، تستدعي وقفة جادة وتحليلاً معمقًا.

الفارق بين الأمس واليوم: إرث ذهبي وواقع مرير
عاش الجيل السابق من الرياضيين العراقيين في ظل ظروف سياسية واجتماعية مختلفة، ولكن ما ميزهم غالبًا هو روح المثابرة والعزيمة والرغبة في رفع اسم العراق عاليًا. كانت هناك بنية تحتية رياضية، وإن كانت بسيطة، إلا أنها وفرت مساحات للتدريب والمنافسة. كما أن النظام الرياضي في تلك الحقبة، رغم ما شابه من تدخلات سياسية أحيانًا، كان يركز على اكتشاف المواهب وتطويرها. أسماء مثل أحمد راضي وعدنان درجال ويونس محمود في كرة القدم، وعلي شاكر في رفع الأثقال، وغيرهم الكثير، ما زالت حاضرة في الذاكرة كرموز للإنجاز والتميز.

أما اليوم، فالوضع مختلف. فمع أن العراق ما زال يمتلك مواهب فردية واعدة، إلا أن القدرة على صقل هذه المواهب وتطويرها وتحويلها إلى نجوم عالمية أصبحت محدودة بشكل كبير. تتجلى مظاهر هذا التراجع في:

تدهور نتائج الفرق والمنتخبات الوطنية: خاصة في الألعاب الجماعية التي كانت العراق متفوقًا فيها تاريخيًا.

غياب النجوم العالميين: قلما نجد لاعبين عراقيين يحترفون في الدوريات العالمية الكبرى أو يحققون إنجازات فردية على المستوى الدولي.

ضعف المشاركة في البطولات الأولمبية والعالمية: وتواضع الإنجازات المحققة فيها. فمنذ أولمبياد روما 1960، حيث فاز عبد الواحد عزيز بالميدالية البرونزية في رفع الأثقال، لم يحصد العراق سوى القليل من الميداليات الأولمبية.

أسباب التراجع: شبكة معقدة من التحديات
يمكن إرجاع هذا التراجع إلى عدة عوامل متداخلة، بعضها تاريخي والآخر مرتبط بالظروف الراهنة:

الاضطرابات السياسية والأمنية: شهد العراق عقودًا من الحروب والصراعات وعدم الاستقرار، مما أثر بشكل مباشر على جميع جوانب الحياة، بما في ذلك الرياضة. فقد أدى غياب الاستقرار إلى تدمير البنى التحتية الرياضية، ونزوح الكفاءات، وتوقف الدوريات والبطولات، مما حرم الأجيال الشابة من فرص التدريب والتنافس المنتظم.

ضعف البنية التحتية الرياضية: تعاني معظم المحافظات العراقية من نقص حاد في الملاعب والصالات الرياضية الحديثة والمجهزة بأحدث المعدات. فالمنشآت القائمة إما قديمة ومتهالكة أو غير كافية لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الشباب الراغبين في ممارسة الرياضة.

غياب التخطيط الاستراتيجي والتطوير العلمي: تفتقر المنظومة الرياضية العراقية إلى رؤية واضحة وخطط استراتيجية طويلة الأمد لتطوير الرياضة. كما أن الاعتماد على الأساليب التقليدية في التدريب واكتشاف المواهب، وغياب الكفاءات الإدارية والفنية المتخصصة، يعوق التقدم.

التدخلات السياسية والإدارية: غالبًا ما تقع الأندية والاتحادات الرياضية تحت تأثير التدخلات السياسية والحزبية، مما يؤدي إلى قرارات فوضوية وضعف في الإدارة، ويحول دون تطبيق المعايير المهنية والعلمية في اختيار المدربين واللاعبين.

الظروف الاقتصادية والاجتماعية: يواجه الشباب العراقي تحديات اقتصادية كبيرة، مثل البطالة وغياب فرص العمل، مما يجعل الرياضة هواية مكلفة لا يمكن للكثيرين تحملها، أو مهنة غير مستقرة لا تضمن مستقبلهم. كما أن التحولات الاجتماعية وتفضيل الأنشطة التكنولوجية الحديثة (مثل الألعاب الإلكترونية) على النشاط البدني تساهم في تراجع الاهتمام بالرياضات التقليدية.

هجرة الكفاءات الرياضية: دفعت الظروف الصعبة العديد من المدربين واللاعبين والإداريين الرياضيين المتميزين إلى الهجرة خارج العراق، بحثًا عن فرص أفضل، مما حرم الرياضة العراقية من خبراتهم وقدراتهم.

طريق العودة إلى منصات التتويج
إن معالجة هذا التراجع تتطلب جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية، بدءًا من الحكومة والمؤسسات الرياضية وصولًا إلى الأسر والمجتمع. ويمكن أن تشمل هذه الجهود:

الاستثمار في البنية التحتية: بناء وتطوير المنشآت الرياضية الحديثة في جميع المحافظات، وتوفير المعدات والأدوات اللازمة.

تطوير الإدارة الرياضية: إبعاد الرياضة عن التجاذبات السياسية، وتعيين الكفاءات المتخصصة في المناصب الإدارية والفنية، وتطبيق معايير الشفافية والمساءلة.

تبني استراتيجيات طويلة الأمد: وضع خطط وطنية شاملة لاكتشاف المواهب وتطويرها منذ الصغر، وتوفير برامج تدريبية متطورة على أيدي مدربين أكفاء.

دعم الأندية والاتحادات: توفير الدعم المالي واللوجستي للأندية والاتحادات الرياضية لتمكينها من أداء دورها في رعاية وتطوير الرياضيين.

تفعيل دور القطاع الخاص: تشجيع الاستثمار الخاص في المجال الرياضي، من خلال بناء المنشآت الرياضية ورعاية المواهب والبطولات.

تعزيز الثقافة الرياضية: نشر الوعي بأهمية ممارسة الرياضة والنشاط البدني بين الأجيال الشابة، وتشجيعهم على الانخراط في الأنشطة الرياضية المختلفة.

إن تراجع المستوى الرياضي في العراق ليس قدرًا محتومًا، بل هو نتيجة لظروف يمكن تغييرها. فالعراق يمتلك مخزونًا هائلاً من المواهب والطاقات الشبابية التي تنتظر الفرصة والدعم المناسبين لتتألق من جديد، وتعيد للرياضة العراقية مجدها الغابر ومكانتها التي تستحقها على الساحة الدولية.

Al-Mustaqbal University