انت الان في كلية العلوم الادارية

نحو لغة خضراء: دور اللغة العربية في نشر ثقافة الاستدامة تاريخ الخبر: 05/04/2025 | المشاهدات: 1547

مشاركة الخبر :

نحو لغة خضراء: دور اللغة العربية في نشر ثقافة الاستدامة
م.م. أحمد محمد جواد
كلية العلوم الإدارية- جامعة المستقبل
الملخص:
تتناول هذه المقالة دور اللغة العربية في تعزيز مفاهيم الاستدامة البيئية والاجتماعية، من خلال استعراض العلاقة بين اللغة والوعي البيئي، وتحليل الإمكانيات اللغوية والثقافية الكامنة في العربية لنشر ثقافة الاستدامة. كما تسلط الضوء على أهمية توظيف اللغة في التعليم، والإعلام، والأدب، وتدعو إلى تطوير خطاب لغوي عربي يعكس القيم البيئية ويعزز ممارسات مستدامة على مستوى الفرد والمجتمع.
مقدمة:
تمثل قضايا الاستدامة تحدياً عالمياً يتطلب مقاربات متعددة الأبعاد تشمل البنية الاقتصادية والسياسية والثقافية. ومن هذا المنطلق، تبرز اللغة كوسيلة محورية في نشر الوعي وتعزيز السلوكيات المستدامة. فاللغة لا تقتصر على كونها وسيلة للتعبير، بل تُعد حاملاً للثقافة، ومؤطراً للتفكير، وأداة لصناعة المعنى. وفي السياق العربي، تملك اللغة العربية رصيداً ثقافياً وقيمياً يمكن استثماره لتشكيل خطاب بيئي مسؤول يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
اللغة والاستدامة: الأبعاد النظرية
يشير العديد من الباحثين إلى العلاقة الوثيقة بين اللغة والبيئة ضمن ما يُعرف بـ"الإيكولوجيا اللغوية" (Ecological Linguistics)، وهو حقل يبحث في كيفية توظيف اللغة للتعبير عن القضايا البيئية وتعزيز الممارسات المستدامة. في هذا السياق، تصبح اللغة وسيلة للتأطير المفاهيمي (Framing) تُسهم في تشكيل وعي جماعي بيئي. ومن هنا، فإن تطوير خطاب لغوي بيئي باللغة العربية يسهم في نقل مفاهيم الاستدامة إلى المجال التداولي العربي.

اللغة العربية والتراث البيئي
تضم اللغة العربية ثروة لغوية وأدبية توثق العلاقة التاريخية بين الإنسان والبيئة. ففي الشعر العربي القديم نجد وصفاً دقيقاً للطبيعة، ودعوة ضمنية إلى التأمل والحفاظ عليها. كما يظهر في التراث الديني والأخلاقي مفاهيم قريبة من الاستدامة مثل:
عدم الإسراف: (وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام: 141].
الإعمار: (هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا) [هود: 61].
التوازن: (وَوَضَعَ الْمِيزَانَ * أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ) [الرحمن: 7-8].
تلك القيم التي تضمّنها التراث العربي والإسلامي تمثل أساساً أخلاقياً يمكن إعادة توظيفه في الخطاب البيئي المعاصر.
نحو خطاب عربي بيئي مستدام
ينبغي إعادة بناء الخطاب العربي حول قضايا البيئة من خلال عدة مداخل، أبرزها:
1. التعليم: تضمين مفاهيم الاستدامة في مناهج اللغة العربية عبر النصوص القرائية، والتعبير الكتابي، والمشاريع البحثية.
2. الإعلام: تطوير محتوى إعلامي بيئي بلغة عربية واضحة، مؤثرة، ومتماسكة مع الثقافة المحلية.
3. الأدب: تشجيع الأدباء والكتّاب على إنتاج نصوص أدبية عربية (شعر، قصة، رواية) تتناول موضوعات بيئية، وتثير التساؤلات الأخلاقية والاجتماعية حولها.
4. المصطلحات البيئية: ضرورة تعريب المصطلحات البيئية الحديثة بدقة، وتداولها في وسائل الإعلام والمناهج والمجتمع.

دور المؤسسات التربوية والثقافية
تلعب المؤسسات التعليمية والثقافية دوراً أساسياً في ترسيخ اللغة الخضراء، عبر:
تدريب المعلمين على استخدام محتوى بيئي باللغة العربية.
دعم المبادرات البحثية في مجال اللغة والاستدامة.
إطلاق حملات توعية بيئية تستهدف الشباب بلغتهم الأم.

خاتمة:
تُعد اللغة العربية ركيزة أساسية في عملية نشر ثقافة الاستدامة داخل المجتمعات العربية. فهي لا تنقل المعرفة فحسب، بل تزرع القيم وتوجه السلوك. ومن خلال تفعيل دور العربية في التعليم، والإعلام، والأدب، يمكن بناء خطاب لغوي بيئي يعزز من الوعي البيئي، ويسهم في بناء مستقبل مستدام ثقافياً وبيئياً.
جامعة المستقبل الجامعة الأولى في العراق.