انت الان في كلية العلوم الادارية

تقييم السياسات الحكومية لتحقيق العدالة الاجتماعية والاستهلاك المستدام: دراسة مقارنة بين دول مختارة تاريخ الخبر: 14/06/2025 | المشاهدات: 614

مشاركة الخبر :

أ.د حيدر علي الدليميّ
كلية العلوم الادارية – جامعة المستقبل
في العقود الأخيرة، أصبحت العدالة الاجتماعية والاستهلاك المستدام محورين رئيسيين في السياسات العامة للدول، لاسيما مع تصاعد التحديات البيئية وازدياد الفجوات الاقتصادية. بينما تسعى الدول ذات الدخل المنخفض إلى محاربة الفقر وتحقيق تنمية شاملة، تعمل الدول ذات الدخل المرتفع على تقليل بصمتها البيئية دون الإخلال بمستوى الرفاه الاجتماعي. تهدف هذه الدراسة إلى تحليل السياسات الحكومية في دول ذات مستويات مختلفة من الدخل، لتقييم مدى فاعليتها في تحقيق العدالة الاجتماعية وتقليل الاستهلاك غير المستدام.
العدالة الاجتماعية والاستهلاك المستدام:
• العدالة الاجتماعية تعني التوزيع العادل للموارد والفرص داخل المجتمع، وضمان حقوق الإنسان الأساسية كالتعليم، والصحة، والعمل.
• الاستهلاك المستدام يشير إلى أنماط استهلاك لا تستنزف الموارد البيئية وتترك مجالاً للأجيال القادمة لتلبية احتياجاتها.
يمثل التوازن بين هذين البعدين تحدياً أمام السياسات الحكومية، خاصة حين تتضارب أولويات التنمية الاقتصادية مع متطلبات حماية البيئة.
يعتمد هذا المقال على تحليل مقارن لثلاث دول تم اختيارها وفقاً لتصنيف الدخل بحسب البنك الدولي:
1. دولة ذات دخل مرتفع: ألمانيا
2. دولة ذات دخل متوسط: المكسيك
3. دولة ذات دخل منخفض: بنغلاديش
تم تقييم السياسات الحكومية من خلال معايير:
• فعالية برامج مكافحة الفقر.
• دمج مفاهيم الاستدامة البيئية في السياسات الاقتصادية.
• حجم البصمة البيئية (Environmental Footprint).
• مستوى التفاوت في الدخل (مؤشر جيني).
• السياسات التعليمية والصحية الداعمة للعدالة.
ألمانيا (دولة ذات دخل مرتفع)
• تعتمد على مزيج من الرفاه الاجتماعي والضرائب التصاعدية، مما يحد من التفاوت الاقتصادي.
• تطبق برامج قوية لتقليل الانبعاثات الكربونية وتشجيع الطاقة المتجددة.
• يوجد وعي عالٍ بالاستدامة على مستوى الأفراد والمؤسسات.
• التحدي: الحفاظ على مستوى الرفاه مع تقليل الاستهلاك الفردي العالي للطاقة.
المكسيك (دولة ذات دخل متوسط)
• تطبق برامج تحويل نقدي مشروط للفئات الفقيرة مثل برنامج “Prospera”.
• تعاني من فجوات في الوصول للخدمات الصحية والتعليمية في المناطق الريفية.
• جهود الاستدامة البيئية محدودة، وتُواجه صعوبات في الحد من التلوث الصناعي.
• التحدي: التوسع في السياسات الاجتماعية دون الضغط المفرط على البيئة.
بنغلاديش (دولة ذات دخل منخفض)
• ركزت على برامج تمويل المشاريع الصغيرة وتمكين المرأة، مما قلل من معدلات الفقر.
• تواجه تحديات كبيرة في إدارة النفايات والتلوث الحضري والمائي.
• البصمة البيئية منخفضة، ولكن بسبب انخفاض مستوى الدخل وليس نتيجة لسياسات واعية بالاستدامة.
• التحدي: الجمع بين التنمية الاقتصادية وتحقيق العدالة البيئية في سياق محدود الموارد.
يتضح من المقارنة أن فعالية السياسات تختلف باختلاف السياق الاقتصادي والهيكلي للدولة. ففي حين تملك الدول الغنية أدوات مالية وتنظيمية تُمكنها من تحقيق توازن نسبي بين العدالة الاجتماعية والاستهلاك المستدام، تواجه الدول الفقيرة ضغوطًا للتنمية الفورية قد تُغفل الجوانب البيئية.
ومع ذلك، يُمكن للدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أن تستفيد من التجارب الدولية في بناء نماذج تنموية قائمة على:
• التكنولوجيا الخضراء منخفضة التكلفة.
• أنظمة الحوكمة الرشيدة.
• تمكين المجتمعات المحلية في اتخاذ القرارات.
ان تحقيق العدالة الاجتماعية والاستهلاك المستدام ليس ترفاً سياسياً، بل ضرورة عالمية متزايدة. تظهر الدراسة أن التكامل بين البعدين يتطلب تصميم سياسات مرنة، قابلة للتكيّف مع السياق المحلي، وقادرة على الموازنة بين التنمية والبيئة. إن تبادل الخبرات وبناء شراكات دولية يمكن أن يُعزز من قدرة الدول، خاصة ذات الموارد المحدودة، على تبني مسارات تنموية عادلة ومستدامة.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.