انت الان في كلية العلوم الادارية

الأمن الغذائي في ظل الأزمات العالمية: آفاق تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة في الدول النامية – مع إشارة خاصة للعراق تاريخ الخبر: 07/07/2025 | المشاهدات: 527

مشاركة الخبر :

أ.د حيدر علي الدليميّ
كلية العلوم الإدارية – جامعة المستقبل
يشكل الأمن الغذائي أحد أعمدة الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في أي دولة، وقد أولت أهداف التنمية المستدامة 2030 اهتمامًا بالغًا لهذا الجانب، حيث نص الهدف الثاني منها على “القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي، وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة”.
ومع تزايد الأزمات العالمية – كالحروب، وتغير المناخ، والجوائح، والاضطرابات الاقتصادية – بات تحقيق هذا الهدف أكثر تعقيدًا، خاصةً في الدول النامية التي تواجه تحديات مركبة في هذا المجال. وفي هذا السياق، يبرز العراق كحالة دراسية مهمة، تعكس واقع الأمن الغذائي في ظل ضغوط داخلية وخارجية متعددة.
واقع الأمن الغذائي في الدول النامية:
تعاني العديد من الدول النامية من مشكلات هيكلية تعيق تحقيق الأمن الغذائي، منها:
• الاعتماد المفرط على الواردات الغذائية.
• ضعف الإنتاج المحلي نتيجة لغياب التكنولوجيا الزراعية الحديثة.
• تدهور البنى التحتية الزراعية والمائية.
• الفقر والبطالة اللذان يقللان من القدرة على الوصول إلى الغذاء.
• التغيرات المناخية التي تؤثر سلبًا على الزراعة والإنتاج الحيواني.
وقد زادت الأزمات العالمية الأخيرة، مثل جائحة كوفيد-19، والحرب الروسية الأوكرانية، من صعوبة الوصول إلى الغذاء بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، واضطراب سلاسل التوريد، مما جعل هدف القضاء على الجوع أكثر بعدًا عن متناول العديد من البلدان.
الأمن الغذائي في العراق: التحديات والفرص
يواجه العراق تحديات مضاعفة في مجال الأمن الغذائي، رغم امتلاكه لموارد طبيعية ومائية وزراعية واسعة. ومن أبرز التحديات:
1. شحّ المياه بسبب انخفاض منسوب نهري دجلة والفرات وتراجع الإيرادات المائية من دول الجوار.
2. ضعف الإنتاج المحلي نتيجة الإهمال المزمن للقطاع الزراعي، وعدم دعم الفلاحين بالتقنيات الحديثة أو التسهيلات التمويلية.
3. الاعتماد الكبير على الاستيراد، حيث يُستورد أكثر من 50% من الاحتياجات الغذائية من الخارج.
4. الهجرة من الريف إلى المدن، ما قلّل اليد العاملة الزراعية وأدى إلى تقلص المساحات المزروعة.
5. عدم الاستقرار الأمني والسياسي، والذي أثر على استمرارية برامج التنمية الزراعية.
لكن، في المقابل، هناك فرص كامنة يمكن استثمارها:
• تنفيذ مشاريع زراعية وطنية تعتمد على تقنيات الري الحديثة والزراعة الذكية.
• تعزيز السياسات الزراعية المستدامة وتحفيز الإنتاج المحلي.
• توجيه جزء من إيرادات النفط لدعم التنمية الريفية وتحسين الأمن الغذائي.
• التعاون مع منظمات دولية متخصصة لتحقيق برامج الدعم الفني وبناء القدرات الزراعية.
آفاق تحقيق الهدف الثاني في العراق والدول النامية:
يتطلب تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة جملة من الخطوات:
• وضع استراتيجيات وطنية للأمن الغذائي مبنية على أسس علمية واقتصادية، مع إشراك القطاعين العام والخاص.
• تعزيز سلاسل الإمداد المحلية، وتطوير البنية التحتية الزراعية (منشآت تخزين، نقل مبرد، تسويق محلي).
• مكافحة الهدر الغذائي، من خلال التوعية المجتمعية وسنّ القوانين الملزمة.
• تشجيع الزراعة المستدامة، عبر دعم البحوث الزراعية، وتدريب الفلاحين، وتوفير البذور والأسمدة المحسّنة.
• تقوية نظم الحماية الاجتماعية لضمان الحد الأدنى من الغذاء للفئات الهشّة في أوقات الأزمات.
إن تحقيق الأمن الغذائي في ظل الأزمات العالمية لم يعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية تمس الاستقرار الوطني. وبالنسبة إلى العراق والدول النامية عمومًا، فإن السعي نحو تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة يتطلب إرادة سياسية واضحة، وتعاونًا دوليًا، واستثمارًا جادًا في البنية الزراعية والريفية. إن التحرك في هذا الاتجاه لا يضمن فقط الغذاء للجميع، بل يؤسس لمجتمعات أكثر عدالة واستقرارًا واستدامة.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.