انت الان في كلية العلوم الادارية

نحو اقتصاد أخضر يعزز الأمن الغذائي: دور التحول الزراعي في تحقيق الهدف الثاني من أجندة 2030 تاريخ الخبر: 18/07/2025 | المشاهدات: 745

مشاركة الخبر :

أ.د حيدر علي الدليميّ
كلية العلوم الإدارية- جامعة المستقبل
في ظل التحديات المتسارعة التي يشهدها العالم من تغيّر مناخي، وندرة الموارد، واضطراب سلاسل الإمداد، برز الاقتصاد الأخضر كاستراتيجية إنمائية بديلة تسعى إلى التوفيق بين النمو الاقتصادي وحماية البيئة وتحقيق العدالة الاجتماعية. ومن بين الأهداف الـ17 التي حددتها أجندة التنمية المستدامة 2030.
يحتل الهدف الثاني: القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتعزيز الزراعة المستدامة، موقعاً محورياً، لا لأنه يمثل ضرورة إنسانية فحسب، بل لأنه يشكّل أساساً لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في الدول كافة، وعليه سنتطرق لمجموعة من الأمور التي نوضحها في هذا المقال ، منها :
1. العلاقة البنيوية بين الأمن الغذائي والاقتصاد الأخضر
يتقاطع الاقتصاد الأخضر مع منظومة الأمن الغذائي في عدة مستويات:
• الإنتاج المستدام: يعتمد الاقتصاد الأخضر على إنتاج غذائي يقلل من استهلاك المياه والطاقة ويحد من استخدام المواد الكيميائية. الزراعة العضوية، الزراعة الدقيقة (precision agriculture)، وأنظمة الري الذكية، جميعها تندرج ضمن هذا الإطار.
• تقليل الفاقد والهدر الغذائي: يساهم الاقتصاد الأخضر في خلق أنظمة متكاملة لإدارة الفاقد الغذائي عبر التدوير وإعادة الاستخدام وتحويل المخلفات إلى طاقة أو سماد عضوي.
• تعزيز النظم الغذائية المحلية: يشجع الاقتصاد الأخضر على تقصير سلاسل الإمداد ودعم الأسواق المحلية، ما يقلل من الانبعاثات المرتبطة بالنقل ويعزز الاكتفاء الذاتي.
إن تحقيق الأمن الغذائي في هذا السياق لا يُفهم كمجرد “زيادة في إنتاج الغذاء”، بل كتحول هيكلي في نماذج الإنتاج والاستهلاك بما يضمن عدالة الوصول إلى الغذاء دون المساس بالأنظمة البيئية.
2. الزراعة المستدامة كعمود فقري للتحول الأخضر
تُعد الزراعة المستدامة المدخل العملي لترجمة مبادئ الاقتصاد الأخضر في الميدان. فهي تعيد تشكيل العلاقة بين الإنسان والطبيعة عبر:
• التحول من الزراعة كثيفة الموارد إلى الزراعة الذكية مناخياً (Climate-Smart Agriculture)، التي تركز على التكيّف مع التغير المناخي والتقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة.
• إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، من خلال تقنيات الزراعة الحافظة للتربة، واستعمال أساليب تدوير المغذيات، والتشجير.
• تعزيز التنوع البيولوجي الزراعي، ما يسهم في استقرار النظم البيئية وزيادة مقاومة المحاصيل للأمراض والآفات.
في هذا الإطار، يشكّل التحول الزراعي الأخضر ركيزة لخلق أنظمة غذائية أكثر مرونة واستدامة، قادرة على الصمود في وجه الصدمات البيئية والاقتصادية.
3. أبعاد اقتصادية واجتماعية للتحول الزراعي الأخضر
يتميّز الاقتصاد الأخضر بطبيعته الشاملة التي تدمج البعد الاقتصادي مع البيئي والاجتماعي. في المجال الزراعي، يظهر ذلك من خلال:
• تمكين المزارعين الصغار عبر تمويل أخضر وتكنولوجيا ملائمة ودمجهم في سلاسل القيمة المستدامة.
• خلق فرص عمل لائقة في المناطق الريفية عبر الأنشطة الزراعية البيئية، مثل الزراعة العضوية، والتدوير الزراعي، وإنتاج الطاقة المتجددة من المخلفات.
• تحقيق العدالة الغذائية والاجتماعية عبر سياسات توزيع عادلة للموارد، وتقليل الفجوة بين الفئات المهمّشة والمناطق المركزية.
4. السياسات المطلوبة لتحقيق التحول
يتطلب تحقيق هذا التكامل بين الاقتصاد الأخضر والهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة حزمة من السياسات المتناسقة، تشمل:
• إدماج مفاهيم الاقتصاد الأخضر في الاستراتيجيات الزراعية الوطنية.
• دعم البحث العلمي والابتكار في تقنيات الزراعة المستدامة.
• توفير حوافز اقتصادية وتشجيع التمويل الأخضر للمشاريع الزراعية المستدامة.
• تطوير التعليم الزراعي وتضمين مفاهيم الاستدامة في المناهج الأكاديمية.
5. دور المؤسسات الأكاديمية والتعليمية
تلعب الجامعات والكليات، لا سيما ذات التخصصات الزراعية والاقتصادية، دوراً جوهرياً في هذا التحول، من خلال:
• إنتاج المعرفة وتطوير الحلول المبتكرة المناسبة للسياقات المحلية.
• تأهيل جيل جديد من المهندسين الزراعيين والاقتصاديين بخلفية بيئية ومهارات متعددة التخصصات.
• بناء شراكات مع المجتمعات المحلية والحكومات لتطبيق الممارسات الخضراء على أرض الواقع.
إن تحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة لا يمكن أن يتم في معزل عن إعادة تشكيل المنظومة الزراعية ضمن أطر الاقتصاد الأخضر. فالأمن الغذائي الحقيقي لا يتحقق فقط بتوفير الغذاء، بل بإنشاء نظم غذائية عادلة، مستدامة، ومرنة. وفي ظل التحديات البيئية المتفاقمة، أصبح التحول إلى الزراعة الخضراء أولوية استراتيجية لا ترفاً تنموياً. ومن هنا، تقع على عاتق مؤسسات التعليم والبحث العلمي مسؤولية كبرى في قيادة هذا التحول وتوجيه السياسات نحو مستقبل غذائي وإنساني أفضل.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.