التحديات والسياسات المتقاطعة لتحقيق الأمن الغذائي وتقليل الفاقد والهدر: مقاربة بين الهدفين SDG 2) وSDG 12)
أ.د حيدر علي الدليمي
كلية العلوم الإدارية / جامعة المستقبل
تمثل أهداف التنمية المستدامة (SDGs) خارطة طريق عالمية لمواجهة التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، ومن بين هذه الأهداف، يبرز الهدف الثاني (SDG 2) المتعلق بالقضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي، والهدف الثاني عشر (SDG 12) الذي يركز على أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة، خاصة تقليل الفاقد والهدر من الغذاء. ورغم أن كلا الهدفين يبدوان منفصلين من حيث التوجه العام، إلا أن بينهما تقاطعات استراتيجية تتطلب مقاربات تكاملية لمعالجة قضايا الجوع والهدر الغذائي بشكل فعال.
ويمكننا في هذا المقال ان نتطرق إلى :
أولًا: الأمن الغذائي في سياق الهدف SDG 2
يتمثل الهدف الثاني في “القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة”. وتشير التقديرات الدولية إلى أن أكثر من 735 مليون شخص في العالم يعانون من الجوع، ما يجعل هذا الهدف أحد أكثر التحديات إلحاحًا. ويتطلب تحقيقه العمل على أربعة أبعاد رئيسية للأمن الغذائي: توافر الغذاء، الوصول إليه، الاستقرار في الإمدادات، والاستفادة منه غذائيًا.
وتواجه الدول النامية خصوصًا تحديات كبرى في هذا المجال، منها ضعف البنية التحتية الزراعية، التقلبات المناخية، النزاعات المسلحة، وشح الاستثمارات في القطاع الزراعي، بالإضافة إلى غياب سلاسل القيمة المتكاملة.
ثانيًا: الفاقد والهدر في إطار الهدف SDG 12
الهدف الثاني عشر يركز على ضمان أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة، ويتضمن ضمن أهدافه الفرعية (12.3) تقليل الفاقد الغذائي على مستوى الإنتاج وتقليل الهدر على مستوى الاستهلاك بنسبة 50% بحلول عام 2030. تشير التقارير إلى أن ثلث الغذاء المنتج عالميًا يُفقد أو يُهدر، أي ما يعادل حوالي 1.3 مليار طن سنويًا. ويؤدي هذا الفاقد إلى خسائر اقتصادية ضخمة ويستنزف الموارد الطبيعية مثل المياه والطاقة والأراضي.
الهدر الغذائي لا يرتبط فقط بسلوك المستهلك، بل يشمل أيضًا سوء التخزين والنقل، ضعف سلاسل الإمداد، وقصور في السياسات الزراعية والتسويقية.
ثالثًا: التقاطعات والتحديات المشتركة
رغم اختلاف السياق الظاهري بين الهدفين، إلا أن تحقيق أحدهما يسهم في تقدم الآخر. ويمكن تلخيص التقاطعات في النقاط التالية:
1. تقوية سلاسل الإمداد الغذائي: من خلال تحسين تقنيات ما بعد الحصاد والتخزين والنقل، يمكن تقليل الفاقد، وتحقيق استقرار أكبر في إمدادات الغذاء، مما يعزز الأمن الغذائي.
2. السياسات الزراعية الذكية مناخيًا: مواجهة التغير المناخي من خلال ممارسات زراعية مستدامة يساهم في تحسين الإنتاجية وتقليل الفاقد الناتج عن الكوارث البيئية، مما يخدم الهدفين معًا.
3. التوعية وتغيير سلوك المستهلك: تقليل الهدر الغذائي على مستوى الأفراد والمجتمعات يعزز من كفاءة توزيع الغذاء، مما يتيح إمكانية إعادة توجيه الفائض إلى الفئات المحتاجة.
4. التكامل بين القطاعات: إن التنسيق بين وزارات الزراعة، التجارة، البيئة، والتخطيط مطلوب لوضع سياسات متكاملة تربط الإنتاج بالاستهلاك بشكل فعال.
رابعًا: السياسات المقترحة لتعزيز التكامل
1. اعتماد استراتيجية وطنية للأمن الغذائي الشامل تربط بين الإنتاج المستدام وتقليل الهدر.
2. تحفيز الاستثمارات في التكنولوجيا الزراعية وأنظمة الرصد والمتابعة لتقليل الفاقد على طول سلاسل القيمة.
3. تبني قوانين وتشريعات تنظم سلوك السوق والمستهلك وتدعم الاقتصاد الدائري في قطاع الغذاء.
4. تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع المدني لتوسيع المبادرات المجتمعية في تقليل الهدر وتحسين التغذية.
إن المقاربة المتكاملة بين الهدفين SDG 2 وSDG 12 تمثل ضرورة استراتيجية لتحقيق التنمية المستدامة، وليس مجرد ترف سياسي أو تنظيري. فالقضاء على الجوع لا يمكن أن يتحقق دون إدارة فعالة لموارد الغذاء، في حين أن تقليل الهدر لن يكتمل أثره دون أن يُسهم في سد فجوة الجوع. وعليه، فإن ربط السياسات الزراعية بالغذائية والبيئية ضمن إطار حوكمة مستدامة يعدّ السبيل الأمثل لتحقيق هذه الغايات المتقاطعة.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.