أ.د حيدر علي الدليمي
جامعة المستقبل / كلية العلوم الإدارية
يُعَدّ القضاء على الفقر بجميع أشكاله الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة 2030 التي أقرتها الأمم المتحدة. ويمثل هذا الهدف الركيزة الأساسية لتحقيق بقية الأهداف، إذ لا يمكن بلوغ العدالة الاجتماعية أو النمو الاقتصادي المستدام دون معالجة الفقر بوصفه التحدي الأكثر إلحاحاً. وفي هذا السياق، برز الاقتصاد الأخضر كآلية استراتيجية يمكن من خلالها تحقيق التوازن بين متطلبات النمو الاقتصادي وحماية البيئة والارتقاء بالعدالة الاجتماعية.
الاقتصاد الأخضر والفقر: جدلية الارتباط
يقوم الاقتصاد الأخضر على وجيه الأنشطة الاقتصادية نحو الاستدامة البيئية والاجتماعية، بما يضمن النمو دون استنزاف الموارد الطبيعية أو تعميق الفجوات الاجتماعية. ويتضح ارتباطه المباشر بالحد من الفقر من خلال عدة محاور:
1. التمكين الاقتصادي للفئات الهشة عبر خلق فرص عمل لائقة في مجالات الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة وإدارة النفايات.
2. تعزيز الأمن الغذائي من خلال تطبيق الزراعة الذكية بيئياً، التي ترفع الإنتاجية وتقلل المخاطر المناخية.
3. تقليل تكاليف المعيشة عبر التحول إلى مصادر طاقة نظيفة ومنخفضة الكلفة.
4. تحسين الصحة العامة نتيجة انخفاض مستويات التلوث، وهو ما يخفف من الأعباء الصحية والمالية على الفقراء.
دراسات حالة دولية
• المغرب: يمثل مشروع “نور” للطاقة الشمسية في ورزازات نموذجاً رائداً في العالم النامي. إذ ساهم المشروع في توفير آلاف فرص العمل أثناء الإنشاء والتشغيل، وخفض الاعتماد على الوقود الأحفوري المستورد، فضلاً عن إسهامه في توسيع مظلة الحصول على الطاقة بأسعار معقولة في المناطق النائية.
• البرازيل: اعتمدت برامج الزراعة المستدامة في مناطق الأمازون، التي هدفت إلى تقليل قطع الأشجار غير المشروع، مع توفير مصادر دخل بديلة للمجتمعات المحلية. هذه المبادرات ربطت بين حماية البيئة وتوليد سبل عيش جديدة تسهم في الحد من الفقر الريفي.
• الهند: من خلال مشروعات الطاقة الشمسية اللامركزية، تم إيصال الكهرباء إلى ملايين الأسر المحرومة في القرى النائية. وقد انعكس ذلك إيجاباً على مستوى التعليم والصحة والتنمية المحلية، ما يبرهن على دور الاقتصاد الأخضر في تحسين مؤشرات التنمية البشرية.
واخيراً، تؤكد التجارب الدولية أن الاقتصاد الأخضر ليس خياراً ثانوياً، بل يمثل مدخلاً محورياً لتحقيق الهدف الأول للتنمية المستدامة. فهو يوفر أرضية مشتركة تجمع بين النمو الاقتصادي، العدالة الاجتماعية، والاستدامة البيئية. ومن هنا، فإن دمج مبادئ الاقتصاد الأخضر في السياسات الوطنية يُعد خطوة استراتيجية نحو بناء عالم خالٍ من الفقر وأكثر قدرة على مواجهة التحديات البيئية والاقتصادية المستقبلية.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية.