تُعَدّ العملية التعليمية من أكثر العمليات الإنسانية تعقيدًا، فهي لا تقتصر على نقل المعرفة من المعلّم إلى المتعلّم، بل تتأثر بعوامل متعددة، أبرزها النمو النفسي والمعرفي للطالب. إذ يشكّل النمو النفسي قاعدة الاستقرار الانفعالي والاجتماعي، بينما يوفّر النمو المعرفي القدرات العقلية اللازمة لفهم المعلومات وتحليلها واستيعابها. ومن هنا تبرز أهمية دراسة العلاقة بين هذين البعدين لفهم كيفية تكييف المناهج واستراتيجيات التدريس مع خصائص المتعلّم في مختلف المراحل العمرية.
أولاً: النمو النفسي وأثره في التعليم
النمو النفسي هو مجموع التغيرات التي تطرأ على الجوانب الانفعالية والاجتماعية والشخصية للفرد عبر مراحل حياته. وفي البيئة التعليمية، يلعب دورًا محوريًا في:
1. الدافعية للتعلّم: حيث يرتبط الشعور بالإنجاز والاعتزاز بالذات بمدى استعداد الطالب للتعلّم.
2. التكيف الاجتماعي: بما يساعد الطالب على التفاعل الإيجابي مع زملائه ومعلميه.
3. الصحة النفسية: إذ يسهم الاستقرار الانفعالي في تعزيز الانتباه والتركيز داخل الصف.
ثانياً: النمو المعرفي ودوره في التعلّم
النمو المعرفي يشير إلى التطورات التي تطرأ على القدرات العقلية، مثل التفكير، الذاكرة، الانتباه، حل المشكلات، والإبداع. وقد أوضح جان بياجيه في نظريته أن لكل مرحلة عمرية خصائص معرفية يجب مراعاتها أثناء التعليم، ومنها:
• مرحلة الطفولة المبكرة: يغلب عليها التفكير الحسي والاعتماد على المحسوسات.
• مرحلة الطفولة المتوسطة والمتأخرة: يظهر التفكير المنطقي الملموس.
• مرحلة المراهقة: تتبلور القدرة على التفكير المجرد والتحليل والاستنتاج.
ثالثاً: تكامل النمو النفسي والمعرفي في التعليم
العلاقة بين النمو النفسي والمعرفي علاقة تكاملية، حيث يؤثر كل منهما في الآخر.
• الطالب الذي يعاني من القلق أو الخوف قد تتأثر ذاكرته وانتباهه سلبًا.
• في المقابل، الطالب المستقر نفسيًا يكون أكثر قدرة على استثمار مهاراته العقلية في التعلّم.
وهذا يوضح أهمية أن يراعي المعلّمون الجانبين النفسي والمعرفي معًا، لا أن يقتصروا على الجانب الأكاديمي فقط.
رابعاً: انعكاسات العلاقة على العملية التعليمية
• تصميم المناهج بما يتلاءم مع مستوى النمو العقلي والنفسي للمتعلمين.
• اختيار استراتيجيات التدريس التي تراعي الفروق الفردية وتقدّم دعمًا نفسيًا.
• توظيف الإرشاد النفسي التربوي لدعم النمو المتوازن للطلاب.
• اعتماد تقويم تربوي شامل لا يقتصر على قياس التحصيل العلمي، بل يأخذ بعين الاعتبار أبعاد النمو المختلفة.
- إن العملية التعليمية الفعّالة لا تقوم على المعرفة وحدها، بل تعتمد على فهم شامل للنمو النفسي والمعرفي للطالب. فكل مرحلة عمرية تحمل خصائصها واحتياجاتها، التي يجب أن تنعكس في السياسات التعليمية وأساليب التدريس. ومن هنا، تبرز مسؤولية المعلم والمؤسسات التربوية في تهيئة بيئة تعليمية متكاملة تراعي هذا التوازن، بما يضمن بناء شخصية متوازنة علميًا ونفسيًا واجتماعيًا.
https://www.un.org/sustainabledevelopment/ar/health/
جامعة المستقبل
الجامعة الاولى في العراق