انت الان في كلية الفنون الجميلة

مقالة بعنوان " نحو تعليم فني ذكي دمج الذكاء الاصطناعي في تدريب الطلبة على الإبداع المفاهيمي والتقني " بقلم عميد كلية الفنون الجميلة الاستاذة الدكتورة هدى هاشم الربيعي تاريخ الخبر: 28/07/2025 | المشاهدات: 79

مشاركة الخبر :

يشهد العالم تحولات غير مسبوقة في كل مجالات الحياة، ولعلّ أبرز ملامح هذا التحول هو التقدّم المتسارع في تقنيات الذكاء الاصطناعي، والتي بدأت تتغلغل في تفاصيل يومية، من الصناعة والطب إلى التعليم والفنون. وبقدر ما تبدو هذه الظاهرة محفوفة بالفرص، فإنها تطرح أيضاً تحديات جوهرية، خاصة حين تتقاطع مع مفاهيم الإبداع والتعليم الفني، تلك المجالات التي لطالما اعتُبرت معاقل للذات الإنسانية والحدس الفردي

في بيئات التعليم الفني، لم تعد أدوات الرسم والنحت والتصميم التقليدية وحدها قادرة على تلبية متطلبات الجيل الرقمي الجديد. لقد ظهرت تطبيقات ذكاء اصطناعي تُنتج رسوماً ولوحات وتصاميم خلال ثوانٍ، بناءً على أوصاف لغوية يقدّمها المستخدم، ما يدفعنا لإعادة التفكير في طريقة تدريب الطلبة، ليس فقط على المهارات التقنية، بل على الإبداع المفاهيمي – ذلك الذي يقوم على توليد أفكار أصيلة، وتحويلها إلى تعبير بصري مؤثر

لم يعد السؤال المطروح اليوم هو هل يجب أن نُدخل الذكاء الاصطناعي في التعليم الفني، بل أصبح كيف ندمجه بذكاء دون أن نفقد جوهر الفن وروحه. فالإبداع المفاهيمي لا يمكن اختزاله إلى خوارزميات، لكنه أيضاً لم يعد بمنأى عن تأثيرها. إن الطالب الذي ينشأ في بيئة رقمية، ويتفاعل مع أنظمة ذكية، يحتاج إلى أدوات تساعده على تحويل خياله إلى رؤية مرئية، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كوسيط لا كبديل

تُعد أدوات مثل DALL·E وMidjourney وRunway أمثلة على منصات تستخدم الذكاء الاصطناعي في توليد صور بصرية استنادًا إلى أوصاف نصية. هذه الأدوات، إن أُحسن استخدامها، يمكن أن تُلهم الطلبة، وتفتح أمامهم أبواباً جديدة للتفكير والتجريب. فهي لا تقدّم حلولاً جاهزة فحسب، بل تساعد على استكشاف إمكانيات بصرية غير مألوفة، توسّع من آفاق الخيال الفني

ومع ذلك، لا يخلو المشهد من التحديات. فثمة مخاوف مشروعة تتعلّق بانحسار اللمسة الشخصية، وباحتمالية اعتماد الطلبة على الذكاء الاصطناعي كأداة إنتاجية بحتة دون إدراك جوهر الفكرة أو الفلسفة الجمالية وراء العمل. من هنا، يصبح دور المعلم أكثر أهمية من أي وقت مضى، لا بصفته ناقلاً للمعرفة، بل كمرشد نقدي يُنمّي لدى الطلبة القدرة على التمييز بين الإبداع الحقيقي والتكرار الآلي

دمج الذكاء الاصطناعي في التعليم الفني يجب أن يكون مدروسًا ومتوازنًا، لا يخضع لهوس التكنولوجيا ولا يقف في وجهها. فالفن – مهما تطورت وسائطه – يظل في جوهره بحثًا عن المعنى، وتعبيرًا عن الذات. وعلينا أن نُعلّم طلبتنا كيف يستخدمون الأدوات الذكية من دون أن يتخلوا عن فضولهم البشري، عن شكوكهم وأسئلتهم، عن تجاربهم الذاتية التي لا يمكن تقليدها

إن بناء جيل جديد من الفنانين والمصممين القادرين على التفكير النقدي، وعلى استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مبدعة، يتطلب مناهج تعليمية مرنة، تُشجّع الطلبة على التجريب، وعلى الخطأ، وعلى اكتشاف صوتهم الفني في زحام الأتمتة. فهذا الصوت هو ما يميّز الفنان عن الآلة، والمتعلّم الحقيقي عن المستخدم العابر للتكنولوجيا

بعبارة أخرى، الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً للإبداع، بل يمكن أن يكون محفزاً له. والمسؤولية الكبرى تقع على عاتق التربويين في كيفية صياغة هذا التفاعل الجديد، وتحويله إلى فرصة تربوية، لا مجرد موضة عابرة.

جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق .