انت الان في كلية الطب

مقاله بعنوان تأثير اضطرابات النوم المزمنة على الأداء المعرفي لدى البالغين: مراجعة تحليلية تاريخ الخبر: 13/07/2025 | المشاهدات: 1017

مشاركة الخبر :

المقدمة
النوم ليس فقط حالة من الراحة الجسدية، بل هو عملية بيولوجية معقدة أساسية لتنظيم العديد من الوظائف العصبية والنفسية. تشير الأبحاث الحديثة إلى أن اضطرابات النوم المزمنة، مثل الأرق المزمن، توقف التنفس أثناء النوم، واضطراب إيقاع الساعة البيولوجية، قد يكون لها أثر مباشر على الأداء المعرفي لدى البالغين، بما في ذلك الانتباه، سرعة المعالجة، الذاكرة العاملة، والوظائف التنفيذية.
في عصر يتميز بتسارع وتيرة الحياة وانتشار التكنولوجيا، ازداد معدل اضطرابات النوم بشكل ملحوظ. وقد أكدت عدة دراسات أن هذه الاضطرابات لا تؤثر فقط على الصحة الجسدية (مثل القلب والتمثيل الغذائي)، بل تمتد لتشمل وظائف الدماغ العليا المرتبطة بالإنتاجية، واتخاذ القرار، والتعلم.
آليات التأثير العصبي
تشير الأدلة العصبية إلى أن النوم العميق (مرحلة N3) ونوم حركة العين السريعة (REM) يلعبان دورًا حيويًا في ترسيخ الذاكرة والمعالجة المعرفية. وعند حدوث اضطرابات مزمنة في النوم، يُلاحظ التالي:
• ضعف في التوصيل العصبي داخل القشرة الجبهية الأمامية (Prefrontal Cortex)، وهي المسؤولة عن التخطيط والتحكم التنفيذي.
• اختلال في دورة إزالة الفضلات العصبية (glymphatic clearance)، مما يؤدي إلى تراكم نواتج الأيض السامة مثل بروتين بيتا-أميلويد المرتبط بالخرف.
• زيادة الالتهاب العصبي نتيجة فرط تنشيط محور HPA (الغدة النخامية - الكظرية).


الدراسات السريرية الحديثة
أظهرت دراسة تحليلية نُشرت عام 2024 في مجلة Nature Aging أن البالغين الذين يعانون من اضطراب النوم لأكثر من 6 أشهر أظهروا انخفاضًا ملحوظًا في الأداء المعرفي (بمعدل 12–15%) مقارنةً بغير المصابين، خصوصًا في اختبارات الذاكرة قصيرة المدى والانتباه المستمر.
وفي دراسة واسعة شملت 10,000 مشارك (Lemke et al., 2023)، وُجد أن الأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات في الليلة بشكل مزمن، كانوا أكثر عرضة بنسبة 40% لتدهور معرفي مبكر قبل سن 60 عامًا، حتى مع عدم وجود أمراض مزمنة أخرى.

العلاقة مع الخرف والأمراض التنكسية
تشير أبحاث التصوير العصبي (fMRI & PET) إلى أن اضطرابات النوم المزمنة قد تكون عامل خطر مستقل لتطور مرض ألزهايمر. فقد وُجد أن قلة النوم ترتبط بزيادة ترسبات بروتين بيتا-أميلويد وتاو في مناطق الذاكرة مثل الحُصين (Hippocampus).
العوامل المتداخلة
لا يمكن إغفال دور بعض العوامل المصاحبة التي قد تزيد من حدة التأثيرات، ومنها:
• الضغط النفسي والقلق المزمن.
• الإفراط في استخدام الشاشات ليلاً.
• العمل الليلي أو بنظام الورديات (Shift Work).
• الأمراض النفسية مثل الاكتئاب.
التوصيات العلاجية
• العلاج السلوكي المعرفي للأرق (CBT-I) يعتبر خط العلاج الأول والأكثر فعالية.
• تنظيم روتين النوم (Sleep Hygiene) عبر تقليل الكافيين، تقنيات الاسترخاء، وتجنب الشاشات قبل النوم.
• استخدام أجهزة CPAP في حال وجود انقطاع النفس النومي المثبت سريريًا.
• تعزيز حملات التوعية العامة بأهمية النوم كأحد أعمدة الصحة الذهنية، تماماً كما الغذاء والرياضة.

الخاتمة
اضطرابات النوم المزمنة تُعد من المشكلات الشائعة والمُقلِقة التي لا تؤثر فقط على نوعية الحياة، بل تُسهم في التدهور المعرفي طويل الأمد. إن إدراك العلاقة الوثيقة بين جودة النوم والصحة الدماغية هو الخطوة الأولى نحو الحد من عبء الاضطرابات العصبية والنفسية في المستقبل.
بقلم الدكتوره بان ظاهر زباح

جامعة المستقبل الاولى على الجامعات الاهلية