كتب الدكتور وليد جاسم الزبيدي مقالة جديدة والتي نصت على ما يلي
المجهول:
المجهول، قلقُ الإنسان الأزلي، الخوف الذي لازمهُ وأرّقهُ وابتدع له صوراً وفلسفةً، وقد كان في سفرهِ منذ بداية الخليقة على الأرض. وهكذا انعكس في نتاج الإنسان الفكري والمادي، فكانت المجاهيلُ تتسعُ وتكبرُ مع كل تقدّم في الزمان وتطوّر في المكان، بل اتّخذَ المجهولُ صوراً مختلفةً ومتعدّدةً في كل عصر وفي كل مجتمع ينحتُ في العقول والقلوب كما الفرشاة والصخر والخشب والصحف صور السواد والضباب، فتتضخمُ علامات الإستفهام، ويظل هذا المشروع محرّكاً وحراكاً للنشاط الإنساني الذي تدور طواحينه ونواعيره في سبيل الكشف والإختراع والإبداع والتنوير والإشراق..
حتى جاءت الحركاتُ والنظرياتُ والقوانينُ والمباديء كي تفتحَ أبواباً أو تقيم حصوناً وأسواراً لتحمي الكائن من الغيب والغياب، والظلام والغد، وفلسفات الموت وما بعد الموت. المجهولُ وُلدَ مع أو قبل ولادة الكائن، والقاريء يعلمُ منذ أوّل حرف سومري، كان المجهولُ موجوداً، وكانت (جلجامش) تبحثُ عن المجهول، وكانت أساطيرُ سومر وبابل ومصر واليونان، فلسفات تبحثُ عن أسرار، وعن مجاهيل في أنفاق مظلمة، في كهوف عصيّة، حاولَ الكائنُ أن يجسّدَ هذا المجهول في صور ويشخصنها، ويعلّمها على جدران الكهوف، ثم تطورَ تفكيره في المجهول ليلازمه مع الحرف والكتابة في خرافاته وأساطيره وحكاياته ومروياته، فكانت مدوّنات كل عصر انعكاس لكبر حجم هذا المجهول ورمزيته وشخصنته التي تنبعث فتأخذ أشكالاً محدّدةً تارةً أو هلاميةً أو طوطميةً مرةً أخرى.
تتعدّدُ المدوّناتُ لتكون بعد ألحرف، أشكالاً في لوحات أو تماثيل تشمخ بهيئات مختلفة على صورة رجل أو إمرأة أو حيوان أو أشكال معمارية أو هندسية،...يجعلها الكائن في بوابات المدن ، وقُرب المعابد أو فيها، وعلى ضفاف الأنهار، أو فوق القمم والمرتفعات، لأنه يرى المجهول قد يكون في الشمس أو في الصحراء وفي الماء، حسب فلفسته ونبوءته، فتندرج الإسطورةُ والنتاج الفكري والأدبي والعلمي في إطار معتقد عصره، ومعتقدات مجتمعه. وصلَ إلينا منذ عصر الكتابة نتاجا ضخما من الفكر الإنساني ، لكنّ هذا النتاج لا يحمل-في معظمه- اسم المؤلف أو إسم المنتج، وهذا ما تقرأهُ في أدب سومر وبابل، ومصر الفراعنة، واليونان، أو تجدُ نتاجاً يحملُ اسم المؤلف دون ذكر العنوان، وقد تجدُ صحفاً ومخطوطاتٍ فيها خرماً كبيراً بفعل فاعل(إنسان أو طبيعة)..فيظل المجهول غائرا في ذلك الأثر قروناً وعصوراً ينبش في كبد الحقيقة.
جامعة المستقبل الجامعة الأولى في العراق.