انت الان في قسم علوم الفيزياء الطبية

الثقافة الرقمية .. رؤية تحليلية مقالة علمية للتدريسية م.م رفل علي تاريخ الخبر: 13/11/2022 | المشاهدات: 701

مشاركة الخبر :

إذا تم تعريف الثقافة على أنها مجموعة من المعتقدات والعادات والسلوكيات التي يتقاسمها أفراد مجتمع واحد ، فيمكننا القول إن الثقافة الرقمية هي التحولات الثقافية التي حدثت كنتيجة مباشرة لتطوير ونشر التكنولوجيا الرقمية ، أبرزها الإنترنت وشبكة الويب العالمية. في هذه السياقات ، تم دمج التكنولوجيا في جميع جوانب الحياة اليومية ، مما أدى إلى إنتاج بيانات ثقافية جديدة. يفرضها التقدم الذي تم إحرازه في المجالات العلمية والحضارية. نتيجة للثورة التكنولوجية ، استطاعت شعوب العالم أن تتحد وتشكل نفسها وفقًا لنموذج الدولة الغربية المعاصرة. حدث هذا عندما أصبحت الثقافة مظهرًا من مظاهر الإرث الفكري الذي يميز أمة عن أخرى. يشير مصطلح "الثقافة الرقمية" إلى مجموعة من أنماط السلوك والعادات والاتفاقيات والمعرفة التي يتم استخدامها أثناء استخدام التكنولوجيا المتطورة في العالم الافتراضي ، فضلاً عن امتلاك المهارات والقدرات اللازمة للانخراط في هذه البيئة الرقمية. تم تطوير هذا التعريف في السنوات الأخيرة.
في هذا المقال ، سنحاول أولاً وصف خصائص هذا العالم الجديد في عدد قليل من مجالاته. بعد ذلك ، سنناقش بعض التحديات التي تأتي مع العيش في ضوء هذا المجتمع الرقمي الافتراضي الجديد.
بعض ملامح الثقافة الرقمية الجديدة:
تمثل ثورة المعلومات التي يعيشها العالم في الوقت الراهن أحد أهم مراحل التطور الكبرى في تاريخ الإنسانية. ومن أهم نتائج هذه الثورة المعلوماتية التغيرات في المشهد الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والإعلامي والتعليمي والمعرفي الحديث. وقد استلزمت التطورات الواسعة في هذا العالم الرقمي من الأفراد ضرورة الإلمام بالإمكانيات التقنية، والوصول الى مستوى عالٍ من البراعة والمهارة في استخدام الكومبيوتر والهاتف الذكي والكاميرا الرقمية وغيرها من الوسائل التكنولوجيا الحديثة. ونحاول هنا تلخيص بعض ملامح التطورات في المجالات المختلفة:
أولا: المجال الإعلامي: يمثل المجتمع الرقمي فرصة للمجتمعات والثقافات لتقدم نفسها للعالم، كما أنه يوفر لكل فرد مرتبط بالإنترنت فرصة أن يكون إعلاميا وصانعا للمحتوى أيا كان نوع هذا المحتوى، نصا مكتوبا أو صورة أو مقطع فيديو. إذ يمكننا القول أن الصناعة الإعلامية تعتبر من أكثر المجالات تأثرا بالثورة المعلوماتية.
ثانيا: المجال التعليمي والمعرفي: حقق العالم الرقمي في المجال التعليمي قفزة كبيرة مع جائحة كورونا، فبسبب تداعيات هذه الأزمة الصحية العالمية والحظر الشامل والجزئي أصبح التعليم رقميا حتى يمكن تجاوز هذه المرحلة المؤقتة بأقل خسائر ممكنة، فحدثت طفرة كبيرة في تحويل البيئة التعليمية التقليدية الى بيئة رقمية من خلال تمكين الطلاب من التفاعل والاستفادة من التقنيات الحديثة وإكسابهم المهارات الشخصية والتقنية اللازمة للاستخدام الإيجابي للتقنية الجديدة.
ثالثا: المجال الاقتصادي: يشهد الاقتصاد في ظل الثورة الرقمية تحولا كبيرا في الدعائم الأساسية للإنتاج، فإذا كانت عوامل الإنتاج في الاقتصاد التقليدي هم الأرض والعمالة ورأس المال، فإن الاقتصاد الجديد والمعروف باقتصاد المعرفة knowledge Economy يعتمد بالأساس على المعرفة التكنولوجية والإبداع والابتكار والمعلومات والرقمنة. فالمعرفة أضحت المحرك الرئيسي للنمو الاقتصادي، وصار للذكاء المتجسد في برامج الكومبيوتر والتكنولوجيا أهمية تفوق رأس المال أو العمالة، ذلك أن هذه التكنولوجيا الجديدة تعمل في تحسين كفاءة الأداء لرأس المال البشري.
رابعا: المجال التربوي: للثقافة الرقمية تأثيرا كبيرا على المنظومة التربوية، فمن الملاحظ أن الأطفال في العصر الرقمي قد تعلقوا بوسائط الثقافة الجديدة بعد أن هيمنت على المجتمعات، فأثرت فيهم حتى بات يطلق عليهم مصطلح الأطفال الرقميين (Digital kids)، إذ أنهم ينمون في عالم زاخر بالرموز والأدوات الرقمية والتواصل الاجتماعي في ظل المجتمع الشبكي، وأصبحت الخبرات التي يحصل عليها الأطفال في سن مبكرة نتيجة تفاعلهم مع تطبيقات الألعاب وغيرها خبرات غير تقليدية، حيث أتاحت لهم التعرف على أحدث المعارف والاكتشافات، والاستفادة مـن خـدمـات المواقع الثقافية والمكتبات الإلكترونية.
خامسا: المجال الثقافي: لقد شكًل الوضع الخاص الذي عاشه العالم بسبب تفشي وباء كورونا مفهومًا جديدًا للثقافة الرقمية من خلال تسويق وترويج مظاهر ثقافية وفنية خلال مرحلة الغلق المجتمعي. ومن أبرز الأمثلة على ذلك أنه تم إطلاق نظام رقمي عالمي جديد من قبل شركة “جوجل” للفنون والثقافة، وهو عبارة عن منصة تسمح للمثقفين وهواة الفن بعرض أنشطتهم ومعارضهم.
 الثقافة الرقمية.. مخاطر وتحديات:
إذا كان المجتمع الرقمي في المجتمعات المتقدمة هو وليد سيرورة الحداثة والعقلانية والتطور، فإن الطفرة الرقمية في المجتمعات النامية أصبحت واقعا معاشا الى جانب بنية ثقافية تقليدية لمجتمعات ما زالت تعاني من الأمية. هذا الوضع خلق تناقضا في الوعي الثقافي للمواطن بين ثقافة تقليدية وثقافة حداثية تطمح الى اللحاق بالركب الحضاري للعصر، فأصبح واقع الهشاشة الثقافية والرقمية يلقي بثقله على هذه المجتمعات. ويعتبر هذا الأمر هو السبب الخفي وراء كثير مما تعاني منه المجتمعات النامية من ظواهر سلبية.
التأثير السلبي على الأطفال: لقد حذّر الأطباء من تداعيات نفسية وجسدية تطال الأطفال جراء استعمالهم المفرط للأجهزة الإلكترونية، فهم أكثر عرضة للقلق والاكتئاب والعزلة والشعور بالوحدة والكسل والخمول واضطرابات النوم، بالإضافة للإدمان المرضي، وفقدان المقدرة على التفكير الحر، وتعزيز ميول العنف والعدوان لديهم، خاصة وأن نسبة كبيرة من الألعاب الإلكترونية تعتمد على العنف في التسلية فيستمتع الطفل بلعب التدمير وقتل الآخرين. أما عن الأمراض الجسدية التي يسببها الجلوس أمام أجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية والهواتف الذكية لساعات طويلة، فتتمثل بالسمنة والخمول الجسدي والصداع وإجهاد العين وتشنج العنق وآلام في الكتفين والظهر.
التأثير السلبي على اللغة: تأثرت اللغة العربية كثيرا بظهور الإنترنت، فقد لجأ المستخدمون الى الأحرف والأرقام اللاتينية للتعبير عن أنفسهم في المحادثات المكتوبة بينهم، فأصبح من المعتاد عند عدد من مستخدمي الإنترنت والهواتف الذكية الذين لا يتقنون اللغة الإنجليزية الكتابة باللغة العربية ولكن باستخدام الأبجدية الغربية، وإدخال بعض الأرقام الى جانب الحروف للدلالة على الصوت المطلوب الذي لا توفره الأبجدية اللاتينية، والغريب أن هذه الظاهرة لا تزال مستمرة الى الآن على الرغم من تطور تطبيقات الإنترنت باللغة العربية وحل المشكلات التي وجدت في البداية.
الخاتمة :
لا سبيل للعودة الى الخلف في مجال التكنولوجيا الرقمية، وكل الجهود لتجاهلها أو تقييدها بالتشريعات غالبا ستبوء بالفشل، إذن لا جدوى من الإنكار إنما يجب وضع سياسات ذكية تعظم من فوائد التكنولوجية الجديدة وتقلل من الارتباكات الحتمية المصاحبة. كذلك، ولتعظيم الفائدة المرجوة من هذه التكنولوجيا الجديدة، يمكن السعي للدمج بين الثنائيات، بين الاقتصاد التقليدي واقتصاد المعرفة، بين التعليم النظامي والتعليم الإلكتروني، بين العولمة والمحلية. وبذلك يمكن جني مميزات كلاهما في تكاملهما معا.

وأخيرا يجب الالتفات الى معنى مهم في تعاملنا مع التكنولوجيا الحديثة، وهو ضرورة التمييز بين توظيف هذه التكنولوجيا لصالح الفرد والمجتمع وبين الارتهان لها بما يجعل الشخص تابع لها ضامرا نفسيا أمام سطوتها.