انت الان في قسم علوم الفيزياء الطبية

مقالة علمية للتدريسي "م.م علي سلمان "بعنوان (النسيج الكوني ). تاريخ الخبر: 02/02/2025 | المشاهدات: 225

مشاركة الخبر :

النسيج الكوني الرباعي الأبعاد (X,Y, Z,T)
تجعلنا تجربتنا الحياتية اليومية نشعر بالارتياح إزاء الفكرة القائلة بأنَّ الكون المحسوس يمكن وصفه بإحداثية زمنية واحدة وثلاث إحداثيات مكانية ( لنقُل مثلًا  x و y و( z  على طول ثلاثة محاور مُتعامدة تعامدًا مُتبادلًا، وهي بِنْية ابتكرها رينيه ديكارت ( ومعروفة باسم الإحداثيات الديكارتية ).
ففي عام 1905، نشر أينشتاين ورقته البحثية الثورية عن النسبية الخاصة ونسبية الحركة والثبات. وفي عام 1907، أظهر هيرمان مينكوفسكي كيف يمكن فهم هذه النتائج فَهما أعمق من خلال تخيل نسيج زمان ومكان رباعي الأبعاد تُكافئ نقاطه التي صارت مُحددة الآن بالإحداثيات (t وx وy وz) الرباعية الأبعاد، «أحداثًا». والحدث شيء يحدث في وقت معين (t) وفي مكان معين، (x، y، z). وهذه الإحداثيات الرباعية الأبعاد التي تُوجد فيما يُعرف باسم «نسيج زمان ومكان مينكوفسكي» تُحدِّد بالضبط مكان وقوع الحدث ووقته. ويمكن صياغة نظرية النسبية الخاصة التي وضعها أينشتاين بمصطلحات قائمة على نسيج الزمكان الذي افترضه مينكوفسكي، وتُقدِّم وصفا مُلائما للعمليات الفيزيائية في أُطر مرجعية مختلفة تتحرك بالنسبة إلى بعضها. و«الإطار المرجعي» ببساطة هو المنظور الذي ينظر منه راصد مُعيَّن. وقد وصف أينشتاين هذه النظرية بأنها «خاصة» لأنها تتناول حالةً مُعيَّنة فقط، وهي الأطر المرجعية غير المتسارعة تُسمى بالأطر المرجعية القصورية. وبذلك لا يمكن تطبيق النظرية الخاصة إلا على الأطر المرجعية التي تتحرك حركة موحدة دون تسارع. فإذا ألقيت حجرًا، فإنه يتَّجه نحو الأرض متسارعًا. ومن ثَمَّ، يكون الإطار المرجعي المرتبط بالحجر إطارًا مرجعيًّا مُتسارعًا، ولا يمكن التعامل معه بنظرية أينشتاين الخاصة. فحيثما تُوجَد جاذبية، يُوجَد تسارع.
وهذا العيب دفع أينشتاين إلى صياغة نظرية النسبية العامة، التي نشرها بعد عقد من نظريته الخاصة. إذ اكتشف أنه في حين أنَّ الفضاء الديكارتي ونسيج الزمكان الذي افترضه مينكوفسكي إطاران جامدان حيث تحيا الأجسام وتتحرك وتُوجَد، فإن نسيج الزمكان كيان أكثر استجابةً للمؤثرات في الواقع؛ إذ يُمكن أن ينحني ويُشوَّه في ظروف مغايرة بسبب وجود الكتلة. فحالما تُوجَد الكتلة في موقف مادي، فإنَّ السلوك التالي المرتبط ارتباطًا غير قابل للفصل يصف الواقع، وقد لخصه جون ويلر بدقة بارعة قائلا:
❖ تؤثر الكتلة على نسيج الزمكان، وتتحكم في كيفية انحنائه.
❖ يؤثر نسيج الزمكان على الكتلة، ويتحكم في كيفية تحركها.
يقاس مقدار هذا التأثير بمعادلات المجال التي وضعها أينشتاين ضمن نظرية النسبية العامة، التي تربط انحناء نسيج الزمكان بمجال الجاذبية.

 
                              شكل يوضح التشوه ( أي الانحناء في نسيج الزمكان بسبب وجود الكتل ).
 
 
 
 
 
 
يتحدث الفيزيائيون عن وجود منطقة تتّسم بانخفاض طاقة الوضع القائمة على موضع الجسم في مجال الجاذبية (أو ما يُعرف باسم بئر طاقة الوضع في مجال الجاذبية) حول جسم ضخم. ويعرض الرسم المبسط الموضح في أعلاه صورةً موجزة عن كيفية تشوه نسيج الزمكان بجوار ثقبين أسودين، حيث يُمكن اعتبار أنَّ كل منطقة تنحني بطريقة مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بكتلتها، وبذلك فهي مرتبطة بقوة الجاذبية نفسها. وربما يُمكن اعتبار أنَّ نقطة التفرُّد في نسيج الزمكان هي المنطقة التي يُصبح فيها ذلك الانحناء في النسيج كبيرًا جدًّا، والتي نتجاوز عندها نظرية الجاذبية التقليدية وندخل النظام الكمي. ويعمل أفق الحدث المحيط بنقطة التفرُّد كغشاء أحادي الجانب؛ إذ يمكن للجسيمات والفوتونات أن تدخُل الثقب الأسود من الخارج ولكن لا يمكن أن يهرب أي شيء من داخل أفق الثقب الأسود إلى الكون الخارجي وفي الواقع، فالكتلة ليست الخاصية الوحيدة التي قد تكون موجودةً لدى الثقب الأسود ويُقاس بها. فإذا كان الثقب الأسود يدور، أي لديه بعض الزخم الزاوي، فسيظهر سلوك أشدُّ تطرفًا بكثير.
لقد وجد العلماء أن المجرات تنتشر بكميات ضخمة، فقدروا عددها بمئات البلايين، وقدروا عدد النجوم في كل مجرة بمئات البلايين أيضاً. وبدأوا بطرح العديد من الأسئلة: ما هو شكل هذا الكون إذا نظرنا إليه من الخارج ؟ وكيف تتوزع المجرات والغاز والغبار الكوني في الفراغ بين النجوم؟ وهل هنالك من نظام يحكم هذا التوزع ؟  
الإجابة عن هذه الأسئلة تطلبت تصميم كمبيوتر عملاق يستطيع رسم صورة مصغرة للكون. حيث قام العلماء بإدخال جميع البيانات الضرورية في هذا الكمبيوتر الضخم لإتمام المهمة، وكان هدف هذه العملية هو معرفة التوزع الدقيق للمجرات في الكون.
وقد كانت الصورة التي رسمها الكمبيوتر للكون تشبه إلى حد كبير نسيج العنكبوت، ولذلك فقد أطلق عليها العلماء مصطلح «النسيج الكوني» . لقد تبين أن كل خيط من خيوط هذا النسيج يتألف من آلاف المجرات، وهذه المجرات قد رصفت بطريقة شديدة الإحكام، أي أن هذا النسيج محكم إحكاماً شديداً.