مقدمة
في السنوات الأخيرة، أحدث التحليل الجيني ثورة في تشخيص السرطان والوقاية منه. فمع تقدم تقنيات دراسة الحمض النووي (DNA)، أصبح بالإمكان تحديد الطفرات الجينية المرتبطة بالسرطان، مما يساعد في الكشف المبكر عن المرض، وتحديد خطر الإصابة به، وتخصيص العلاجات بناءً على التركيبة الجينية للفرد.
ما هو التحليل الجيني؟
التحليل الجيني هو فحص للحمض النووي بهدف البحث عن طفرات جينية قد تزيد من خطر الإصابة بالسرطان أو تؤثر على تطوره. يمكن أن يكون هذا التحليل استباقيًا للأشخاص الأصحاء الذين لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالسرطان، أو تشخيصيًا لمساعدة الأطباء في اختيار العلاج المناسب للمرضى.
دور التحليل الجيني في الكشف عن السرطان
1. تقييم خطر الإصابة بالسرطان
بعض الطفرات الجينية الموروثة يمكن أن تزيد من خطر الإصابة بأنواع معينة من السرطان. على سبيل المثال:
• طفرات جيني BRCA1 و BRCA2 تزيد من خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض.
• طفرات جين TP53 قد ترتبط بسرطانات متعددة، مثل سرطان الدماغ والثدي والغدد الكظرية.
• طفرات جين APC تزيد من احتمالية الإصابة بسرطان القولون والمستقيم.
عند معرفة وجود هذه الطفرات، يمكن اتخاذ تدابير وقائية، مثل الفحوصات الدورية المكثفة أو التدخلات الجراحية الوقائية.
2. تشخيص السرطان مبكرًا
يساعد التحليل الجيني في اكتشاف التغيرات الجزيئية التي قد تشير إلى بداية تكوّن السرطان، حتى قبل ظهور الأعراض. على سبيل المثال، يمكن لاختبار الحمض النووي السائل (Liquid Biopsy) تحليل أجزاء صغيرة من الحمض النووي المنتشر في الدم لتحديد وجود خلايا سرطانية في المراحل المبكرة جدًا.
3. تخصيص العلاجات (الطب الدقيق)
أحد أعظم إنجازات التحليل الجيني هو القدرة على تخصيص العلاج بناءً على التركيبة الجينية للورم. يسمى هذا النهج بـ “الطب الدقيق” أو “العلاج الموجه”، حيث يتم تطوير علاجات تستهدف طفرات جينية معينة داخل الخلايا السرطانية، مما يجعل العلاج أكثر فعالية وأقل ضررًا للخلايا السليمة.
أمثلة على العلاجات الموجهة:
• عقار “Herceptin” (تراستوزوماب) لعلاج سرطان الثدي الإيجابي لـ HER2.
• عقار “Imatinib” (جليفيك) لعلاج سرطان الدم النخاعي المزمن (CML) بسبب طفرة في جين BCR-ABL.
• مثبطات PARP لعلاج سرطان المبيض لدى النساء الحاملات لطفرات BRCA.
تقنيات التحليل الجيني
هناك عدة طرق لتحليل الطفرات الجينية، من أهمها:
1. التسلسل الجيني الكامل (Whole Genome Sequencing - WGS): تحليل كامل للحمض النووي لتحديد جميع الطفرات المحتملة.
2. تسلسل الإكسوم الكامل (Whole Exome Sequencing - WES): يركز على الأجزاء المشفرة من الجينات التي تنتج البروتينات.
3. اختبارات الألواح الجينية (Gene Panels): تستهدف مجموعة محددة من الجينات المعروفة بارتباطها بالسرطان.
4. خزعات سائلة (Liquid Biopsy): تحليل الحمض النووي الحر في الدم لاكتشاف الطفرات دون الحاجة إلى خزعة جراحية.
متى يجب إجراء التحليل الجيني؟
يُوصى بإجراء التحليل الجيني للأشخاص الذين:
• لديهم تاريخ عائلي قوي للإصابة بالسرطان، خاصة أنواع معينة مثل سرطان الثدي أو القولون.
• تم تشخيصهم بالسرطان في سن مبكرة (قبل سن 50).
• لديهم أكثر من نوع من السرطان أو تاريخ مرضي لأورام نادرة.
• لديهم أقارب يحملون طفرات جينية معروفة بارتباطها بالسرطان.
التحديات والاعتبارات الأخلاقية
رغم الفوائد العديدة للتحليل الجيني، إلا أن هناك بعض التحديات:
• القلق النفسي: معرفة وجود طفرة تزيد من خطر الإصابة بالسرطان قد يسبب توترًا وقلقًا.
• الخصوصية الجينية: قد يكون هناك مخاوف بشأن كيفية استخدام المعلومات الجينية، خاصة من قبل شركات التأمين أو أصحاب العمل.
• تكلفة الفحوصات: بعض الاختبارات الجينية قد تكون مكلفة ولا تغطيها جميع أنظمة التأمين الصحي.
الخاتمة
التحليل الجيني يمثل تقدمًا هائلًا في فهم السرطان والكشف عنه وعلاجه. ومع تطور التكنولوجيا، من المتوقع أن يصبح أكثر دقة وأقل تكلفة، مما سيساعد في إنقاذ المزيد من الأرواح. ومع ذلك، يجب التعامل معه بحذر من خلال استشارات طبية متخصصة لضمان تحقيق أقصى استفادة منه دون مخاطر غير ضرورية
جامعة المستقبل الجامعه الاولى في العراق .