مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي وازدياد الاعتماد على التصوير الطبي كأداة تشخيصية، أصبحت الحاجة ملحّة إلى إيجاد حلول ذكية تساعد الأطباء على الكشف المبكر والدقيق للأمراض، خاصة تلك التي تصيب الرئتين مثل الالتهاب الرئوي، السل، وحتى فيروس كورونا المستجد. من هنا جاءت فكرة تصميم نظام آلي يعتمد على صور الأشعة السينية (X-Ray) للكشف عن الأمراض الرئوية باستخدام تقنيات المعالجة الصورية وخوارزميات التعلم الآلي.
في هذا السياق، تمثّل صورة الأشعة السينية مدخلًا بصريًا غنيًا بالمعلومات، لكنها تحتاج إلى تحليل دقيق لاستخلاص السمات البارزة التي تدل على وجود مرض أو خلل في أنسجة الرئة. المهمة ليست سهلة، فالصورة قد تكون منخفضة التباين، أو تحتوي على ضجيج، أو تكون غير واضحة في مناطق معينة بسبب اختلاف وضعية المريض أو نوع الجهاز المستخدم. ولهذا فإن أولى مراحل بناء النظام الآلي تبدأ بما يُعرف بمرحلة “المعالجة المسبقة”، والتي تشمل تحسين التباين، وإزالة الضوضاء، وتوحيد أبعاد الصور. الهدف من هذه المرحلة هو تجهيز الصور بشكل يجعل الخوارزميات قادرة على استخلاص السمات منها بدقة وكفاءة.
بعد التحسين الأولي للصور، ينتقل النظام إلى ما يُعرف باستخراج السمات (Feature Extraction)، وهي المرحلة التي يتم فيها تحليل الصورة لاكتشاف الأنماط التي تميز الأمراض عن الرئة السليمة. يمكن استخدام تقنيات متعددة في هذه المرحلة، منها خوارزميات تعتمد على تحليل الحواف، أو كشف الكتل غير الطبيعية، أو قياس كثافة الأنسجة في مناطق معينة. مع تطور الحوسبة، أصبحت الشبكات العصبية العميقة (Deep Neural Networks)، وخاصة الشبكات الالتفافية (CNN)، من أكثر الطرق فعالية في هذه المرحلة، حيث يمكنها تعلم السمات تلقائيًا من عدد كبير من الصور دون الحاجة إلى تدخل بشري مباشر.
وعندما يتم تحديد السمات المهمة، تأتي مرحلة التصنيف، حيث يتم إدخال هذه السمات إلى نموذج تم تدريبه مسبقًا ليقوم باتخاذ قرار: هل الصورة تشير إلى رئة سليمة أم إلى وجود مرض؟ وهنا يمكن استخدام نماذج تصنيف متعددة مثل SVM أو KNN أو حتى الشبكات العصبية العميقة. يتم تدريب هذه النماذج على قاعدة بيانات ضخمة تحتوي على صور لأشعة سينية معروفة النتائج (أي تم تشخيصها مسبقًا من قِبل أطباء)، ليتمكن النظام لاحقًا من التعميم على صور جديدة غير معروفة.
الميزة الكبيرة لهذا النظام أنه لا يقتصر على السرعة في الكشف فحسب، بل يقدم دقة تتراوح بين 85% إلى أكثر من 95% في بعض النماذج، وهي نسبة منافسة للفحص البشري، خصوصًا في الحالات البسيطة أو المتكررة. كما أن النظام لا يتعب ولا يتأثر بالعوامل النفسية أو البيئية، ويستطيع أن يعمل ليلًا ونهارًا بنفس الكفاءة.
واحدة من أهم الفوائد الحقيقية لهذا النوع من الأنظمة هي أنه يمكن استخدامه في المناطق التي تفتقر إلى الأطباء المختصين أو إلى البنية التحتية الطبية المتقدمة. فباستخدام جهاز حاسوب بسيط وكاميرا رقمية أو ماسح صور، يمكن إرسال صورة أشعة سينية إلى النظام وتحليلها فورًا، مما يمكّن الفرق الطبية في القرى أو المناطق المنعزلة من الحصول على رأي مبدئي سريع يساعدهم في اتخاذ القرار.
ورغم المميزات الكبيرة، إلا أن المشروع لا يخلو من التحديات. فمثلًا، قد تختلف دقة النظام من مستشفى إلى آخر بسبب اختلاف نوع الأجهزة المستخدمة في التصوير أو جودة الصور الناتجة. كما أن بعض الأمراض الرئوية قد تكون غير واضحة في الصور بالأشعة السينية وتتطلب تصويرًا متقدمًا مثل CT scan. لذلك من المهم أن يُستخدم هذا النظام كمساعد للطبيب وليس بديلًا تامًا عنه، فهو يُعزز القرار البشري لكنه لا يُلغيه.
في النهاية، يمكن القول إن تصميم نظام آلي للكشف عن الأمراض الرئوية من صور الأشعة السينية يُمثّل خطوة كبيرة نحو جعل الرعاية الصحية أكثر ذكاءً وشمولية. إنه مشروع يجمع بين علوم الحاسوب، وهندسة الصور، والطب، ويُجسّد التعاون بين التخصصات المختلفة لتحقيق هدف إنساني نبيل: إنقاذ الأرواح وتحسين جودة الحياة
جامعة المستقبل الجامعه الاولى في العراق .
موقع جامعة المستقبل