انت الان في قسم علوم الفيزياء الطبية

مقال علمي للمعيد (محمد عبد الزهره) بعنوان " المحتوى المزيّف: من يملك الحقيقة؟ " تاريخ الخبر: 23/07/2025 | المشاهدات: 144

مشاركة الخبر :

تمهيد:

في البدء، كان الإنسان يبحث عن الحقيقة كما يبحث الطفل عن وجه أمّه وسط الزحام؛ كانت الحقيقة بالنسبة له نورًا، وكل ما هو دونها ظلال.
لكننا اليوم لم نعد نعيش في ظلال الحقيقة… بل في نسخها المتكرّرة.
صرنا في عالم لا تبحث فيه عن “الحقيقة” بل تختار أي “حقيقة” تُرضيك.

فمن يملكها الآن؟ من يحرس بابها؟
وهل الحقيقة ما زالت “شيئًا” نكتشفه… أم “سلعة” تُصنع وتُباع في سوق المعلومات؟



أولاً: ما هو المحتوى المزيّف؟

فيزيائيًا، العالم مكوَّن من معلومات، موجات، طاقات، وتفاعلات.
لكن في الواقع الرقمي، العالم مكوَّن من صور ومقاطع وكلمات.
وإذا تغيّر هذا المحتوى… تغيّر فهمنا للعالم.

المحتوى المزيّف هو كلّ ما يُقدَّم كـ”واقع”، لكنه مُفبرك، مُعدَّل، أو مُبرمَج لأهداف معيّنة:
• صورة مبتسمة لرئيسٍ يمشي وسط الحشود، وهو في الحقيقة في منتجع فاخر.
• فيديو لسياسي يقول كلامًا لم يقله، فبركه ذكاء اصطناعي عبر تقنيّة Deepfake.
• خبر “عاجل” عن مرض أو أزمة أو حرب… وكلّه أكاذيب مُمنهجة.

وكأنّنا نعيش في عالم “أفلاطوني” معكوس:
بدلاً من أن تكون الصور مرآة للحقائق… أصبحت الصور تخلق الحقائق.



ثانيًا: كيف تصدق العقول ما هو زائف؟

يقول نيتشه:

“ليست الحقيقة هي ما يُقال، بل ما يُصدّق.”

إن عقل الإنسان لا يبحث عن الصواب، بل عن الارتياح.
ولهذا، حين نرى خبرًا يُوافق مشاعرنا، نُصدّقه، حتى لو كان كذبًا.
الحقيقة لم تعد تقاس بالمنطق… بل بالتفاعل.

مواقع التواصل جعلت الكذب أكثر سرعة من الضوء، لأن الضوء بحاجة لمسافة… والكذب ينتشر “بلمسة إصبع”.
فنحن لا نُفكّر، بل “نشارك”.
لا نُدقّق، بل “نعلّق”.
ولذلك أصبح الزيف أكثر تأثيرًا من الحقيقة.



ثالثًا: من يملك مفاتيح الحقيقة اليوم؟

في الماضي، كان “الفيلسوف” أو “العالِم” هو حامل مشعل الحقيقة.
أما اليوم… فمن يملك الخوارزميات، يملك الحقيقة.

الشركات الكبرى (جوجل، ميتا، OpenAI، إلخ) تملك القدرة على صناعة الرؤية:
• ما يُعرض لك
• ما يُخفى عنك
• ما يُعزّز
• وما يُقمع

الحقيقة لم تعد موجودة في “الواقع”، بل في الترند.
في الفيزياء، نقول: “المُراقبة تُغيّر الظاهرة”.
وفي الإعلام الرقمي، نقول: “التمويل يُغيّر الحقيقة”.



رابعًا: الذكاء الاصطناعي… الحارس أم المزيِّف؟

المفارقة الكبرى هي أنّ الذكاء الاصطناعي يمكنه:
• أن يصنع المحتوى الزائف
• وأن يكتشف المحتوى الزائف!

لكن…
هل يمكن للآلة أن تميّز بين “النية الصادقة” و”النية الخبيثة”؟
هل يعرف الذكاء الاصطناعي أن الحقيقة تُبنى بالإيمان، لا فقط بالبيانات؟

فيزياء الكم تقول إن “الاحتمال” أساس الكون.
وربما نحن أيضًا نعيش في عصر تكون فيه الحقيقة… “احتمالًا” فقط.



خاتمة: هل يمكن استرجاع الحقيقة؟

الحقيقة لم تمت… لكنها اختبأت.
واجبنا اليوم ليس أن نصرخ “أين الحقيقة؟”
بل أن نسأل أنفسنا:
هل نحن حقًا نريد معرفتها؟ أم نُفضّل الراحة في حضن الزيف؟

في عصر الذكاء الاصطناعي، تصبح الحقيقة “مهمة فلسفية”، لا “معلومة جاهزة”.
فمن لا يبحث… لن يجد.



جامعة المستقبل الجامعه الاولى في العراق .

موقع جامعة المستقبل