الملخص:
يشهد العالم اليوم تحوّلًا جذريًا في طرق التربية والتنشئة، حيث أصبحت الأجهزة الذكية جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال اليومية. هذا المقال يناقش العلاقة بين الطفل والتكنولوجيا، ويطرح تساؤلات حول الدور الذي باتت تلعبه الشاشات في التأثير على اللغة، السلوك، والمشاعر، بل وحتى على دور الأهل في التربية. كما يسلط الضوء على الآثار الإيجابية والسلبية لهذا الاعتماد المتزايد على الأجهزة الرقمية، ويقدّم توصيات عملية لتحقيق التوازن بين التعلم التكنولوجي والتربية الإنسانية.
⸻
مقدمة:
في السنوات الأخيرة، لم يعد مشهد الطفل الذي يحمل جهازًا لوحيًا (تابلت) شيئًا غريبًا أو استثنائيًا؛ بل صار واقعًا يوميًا مألوفًا. فبدلًا من اللعب في الساحات أو تصفّح القصص المصوّرة، أصبح كثير من الأطفال يقضون ساعات طويلة أمام الشاشات، يتنقلون بين الألعاب ومقاطع الفيديو والتطبيقات المختلفة.
وهنا يبرز السؤال الأهم:
هل لا زال الآباء والمربّون هم من يُربّي الطفل فعليًا… أم أن هذه المهمة انتقلت تدريجيًا إلى الأجهزة الذكية؟
⸻
أولًا: بداية العلاقة – كيف يدخل الطفل عالم الشاشة؟
تشير الأبحاث إلى أن متوسط عمر الطفل الذي يبدأ استخدام الأجهزة اللوحية يتراوح بين 1 إلى 2 سنة فقط.
وغالبًا ما تكون البداية عفوية:
• الطفل يبكي → الأهل يعطونه الهاتف ليهدأ
• الطفل يتعب → يُشغَّل له “يوتيوب أطفال”
• وهكذا تتكرس العلاقة: راحة للطفل، وراحة (ظاهريّة) للأهل.
لكن هذه البداية البسيطة قد تتحوّل إلى إدمان، دون وعي أو تحكّم، ومع غياب التوجيه، يصبح الطفل أسير الشاشة أكثر من أن يكون مستخدمًا لها.
⸻
ثانيًا: التأثيرات السلوكية والمعرفية
1. اللغة والتواصل:
• تأخر النطق عند بعض الأطفال بسبب الاعتماد على المشاهدة السلبية.
• تعلّم لغات ولهجات أجنبية غريبة، قد لا تناسب بيئته.
2. التركيز والانتباه:
• التنقل السريع بين المحتويات يضعف التركيز.
• الطفل يعتاد على التحفيز اللحظي، فيصعب عليه التعامل مع التعلم التقليدي البطيء.
3. العلاقات العاطفية:
• قلة التفاعل مع الأهل والأقران تؤدي إلى ضعف في الذكاء العاطفي والاجتماعي.
• غياب الحوارات والمشاعر الحقيقية يعوّضه الطفل بمشاهد تمثيلية رقمية.
⸻
ثالثًا: هل المشكلة في التابلت أم في طريقة استخدامه؟
لا يمكن إلقاء اللوم الكامل على الأجهزة. فالتكنولوجيا نفسها أداة، ويمكن استخدامها بشكل إيجابي.
هناك تطبيقات تعليمية رائعة، وقنوات تثقيفية مخصصة للأطفال، وألعاب تفاعلية تطور المهارات.
لكن المشكلة تكمن في:
• طول مدة الاستخدام (أكثر من 2-3 ساعات يوميًا)
• غياب الرقابة والتوجيه
• الاعتماد الكلي على الأجهزة كـ”مربّي بديل”
⸻
رابعًا: أين دور الأهل؟
يبدو أن بعض الأهل قد سلّموا مهمّة التربية للشاشات، إما بسبب الانشغال أو الجهل بخطورة الموضوع.
لكن الطفل بحاجة إلى:
• احتواء عاطفي
• حوار مستمر
• ألعاب حقيقية
• وقت نوعي مع الأهل
وهذه الأمور لا يمكن تعويضها عبر أي تكنولوجيا.
⸻
خامسًا: توصيات تربوية واقعية
1. تحديد وقت الشاشة (Screen Time):
لا يزيد عن ساعة أو ساعتين يوميًا حسب العمر.
2. المشاركة الفعّالة:
لا تترك الطفل مع الجهاز، بل كن معه أثناء المشاهدة.
3. تقديم بدائل حقيقية:
قصص، ألعاب يدوية، نشاطات حركية، وقت عائلي مشترك.
4. المراقبة الذكية:
استخدام أدوات الرقابة الأبوية، ومتابعة المحتوى باستمرار.
⸻
خاتمة:
الطفل لا يحتاج فقط إلى جهاز حديث، بل إلى حضن دافئ، وعقل يرشده، وقلب يسمعه.
الواقع أن التكنولوجيا دخلت حياتنا ولن تخرج، لكن لا يجب أن ندعها تسرق دورنا الأساسي كمربّين.
فلنُربّي أبناءنا بالتكنولوجيا… لا نُربّيهم “بواسطتها”.
جامعة المستقبل الجامعه الاولى في العراق .
موقع جامعة المستقبل