المقدمة

تُعد المسؤولية القانونية من أبرز الركائز التي يقوم عليها النظام القانوني في أي مجتمع، إذ تهدف إلى ضمان استقرار المعاملات، وصيانة الحقوق، وتحقيق العدالة. وتتفرع المسؤولية القانونية إلى قسمين رئيسيين: المسؤولية العقدية، التي تنشأ عن إخلال أحد أطراف العقد بالتزاماته، والمسؤولية الجنائية، التي تنشأ عن ارتكاب فعل مجرّم يهدد مصلحة المجتمع أو النظام العام. ورغم اختلاف الأساس القانوني لكليهما، إلا أن هناك نقاط التقاء واختلاف تستحق الدراسة والتحليل.

أولاً: المسؤولية العقدية في القانون المدني

المسؤولية العقدية هي التزام قانوني يترتب على أحد المتعاقدين نتيجة إخلاله بالالتزامات التي يرتبها العقد.
• أساسها القانوني: يستند إلى مبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” المنصوص عليه في معظم التشريعات المدنية، والذي يفرض على الأطراف احترام ما اتفقوا عليه.
• شروطها: وجود عقد صحيح، وقوع إخلال بالالتزام، وتحقق الضرر مع العلاقة السببية بين الإخلال والضرر.
• آثارها: يلتزم المسؤول بتعويض الطرف الآخر عن الأضرار الناجمة، سواء كانت مادية أو معنوية، وغالباً ما يكون الجزاء في نطاق التعويض المالي.

ثانياً: المسؤولية الجنائية

المسؤولية الجنائية تقوم على إخلال الفرد بالنظام العام من خلال ارتكاب جريمة نص عليها القانون.
• أساسها القانوني: مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”، ما يعني أن الفعل لا يعد جريمة إلا إذا ورد نص قانوني يجرّمه.
• شروطها: الركن الشرعي (النص القانوني)، الركن المادي (الفعل أو الامتناع المؤدي للجريمة)، والركن المعنوي (القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي).
• آثارها: توقيع العقوبات التي قد تكون سالبة للحرية (الحبس أو السجن)، أو مالية (الغرامة)، أو تدابير احترازية أخرى.

ثالثاً: أوجه المقارنة بين المسؤولية العقدية والجنائية
1. من حيث الأساس:
• العقدية تنشأ من الإرادة الخاصة والاتفاق بين الأفراد.
• الجنائية تنشأ من اعتداء الفرد على المصلحة العامة.
2. من حيث الهدف:
• العقدية تهدف إلى جبر الضرر وإعادة التوازن بين المتعاقدين.
• الجنائية تهدف إلى حماية المجتمع وردع الجاني.
3. من حيث الجزاء:
• في العقدية: التعويض المالي غالباً.
• في الجنائية: العقوبة (سجن، غرامة، تدابير).
4. من حيث الأطراف:
• العقدية تكون بين الأفراد حصراً.
• الجنائية يكون طرفها الأساسي هو الدولة بصفتها ممثلة للمجتمع.

رابعاً: التداخل بين المسؤوليتين

قد يتداخل النظامان في حالات معينة، مثل ارتكاب شخص لجريمة تُخل بالتزام عقدي في ذات الوقت. على سبيل المثال: إذا قام المقاول بالغش في تنفيذ مشروع بناء، فإن فعله يشكل إخلالاً بالعقد (مسؤولية عقدية)، وفي الوقت ذاته قد يشكل جريمة غش (مسؤولية جنائية). وهنا يمكن الجمع بين التعويض المدني والعقوبة الجنائية.

الخاتمة

تُظهر الدراسة المقارنة أن المسؤولية العقدية والمسؤولية الجنائية تختلفان في الأساس القانوني، والهدف، والجزاء، غير أن بينهما روابط مهمة عند التداخل بين المصلحة الخاصة والمصلحة العامة. ومن هنا تتجلى أهمية التوازن بينهما لضمان حماية حقوق الأفراد وصيانة النظام العام، بما يحقق العدالة بمفهومها الشامل.




جامعة المستقبل الجامعه الاولى في العراق .

موقع جامعة المستقبل