المقدمة
يُعد العقد من أهم مصادر الالتزام في القانون المدني، إذ يعبّر عن توافق إرادتين لإنشاء التزام أو تعديله أو إنهائه. غير أنّ تنفيذ الالتزامات التعاقدية قد يتعرض أحيانًا إلى ظروف استثنائية وخارجة عن الإرادة، تُعرف بـ القوة القاهرة، وهي حوادث غير متوقعة ولا يمكن دفعها تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً. وقد أولى القانون المدني العراقي اهتمامًا واضحًا بهذه المسألة، نظرًا لارتباطها المباشر باستقرار المعاملات وتحقيق العدالة بين الأطراف المتعاقدة.
أولًا: مفهوم القوة القاهرة في القانون المدني العراقي
عرّف الفقه والقضاء القوة القاهرة بأنها كل حادث استثنائي لا يمكن توقعه ولا دفعه، ويجعل تنفيذ الالتزام مستحيلاً استحالة مطلقة. ووفقًا للمادة (211) من القانون المدني العراقي، فإن المدين لا يكون مسؤولًا عن التعويض إذا أثبت أن عدم التنفيذ كان بسبب أجنبي لا يد له فيه، كالقوة القاهرة أو الحادث المفاجئ.
إذن، يشترط لاعتبار الحادث قوة قاهرة:
1. أن يكون غير متوقع حدوثه عند إبرام العقد.
2. أن يكون لا يمكن دفعه أو تفاديه رغم بذل عناية الشخص المعتاد.
3. أن يؤدي إلى استحالة التنفيذ استحالة مطلقة، وليس مجرد صعوبة أو إرهاق.
ثانيًا: أثر القوة القاهرة على الالتزامات التعاقدية
1. انقضاء الالتزام: إذا جعلت القوة القاهرة تنفيذ الالتزام مستحيلاً بشكل دائم، فإن الالتزام ينقضي وتنقضي معه تبعة التأخير أو المسؤولية عن التعويض.
2. الإعفاء من المسؤولية: يترتب على ثبوت القوة القاهرة إعفاء المدين من دفع التعويض، لانتفاء الخطأ في جانبه.
3. التنفيذ الجزئي: إذا أدت القوة القاهرة إلى استحالة تنفيذ جزء من الالتزام فقط، انقضى هذا الجزء وسقطت المسؤولية عنه، بينما يبقى المدين ملزمًا بتنفيذ الجزء الممكن.
4. الفسخ أو الانفساخ: قد يترتب على القوة القاهرة فسخ العقد أو انفساخه بقوة القانون، إذا استحال تنفيذه استحالة كلية ودائمة.
ثالثًا: التمييز بين القوة القاهرة والظروف الطارئة
من المهم التفرقة بين نظرية القوة القاهرة ونظرية الظروف الطارئة:
• القوة القاهرة: تجعل التنفيذ مستحيلًا وتؤدي إلى انقضاء الالتزام.
• الظروف الطارئة: تجعل التنفيذ مرهقًا لا مستحيلًا، فيجوز للقاضي تعديل الالتزام بما يرفع الإرهاق ويحقق العدالة.
الخاتمة
تُظهر دراسة أثر القوة القاهرة في القانون المدني العراقي حرص المشرّع على تحقيق التوازن بين مصالح المتعاقدين. فهي من جهة تحمي المدين من تحمل تبعة أحداث خارجة عن إرادته، ومن جهة أخرى تضمن عدم الإضرار بالدائن دون مبرر. ويبقى دور القضاء أساسيًا في التحقق من توافر شروط القوة القاهرة وتقدير آثارها، بما يحقق العدالة ويحافظ على استقرار التعاملات المدنية والتجارية.
جامعة المستقبل الجامعه الاولى في العراق .
موقع جامعة المستقبل