ليس دواءً عاديًا، إنه الصديق الكيميائي الأقرب إلى الجسم، صاحب الفتورة الأقل تكلفة، فلا يخلو منه منزل، ولا يجهله طفل، صديق أفراد الأسرة جميعًا؛ يستقطره الأطفال، ويبتلعه الكبار، في البداية نصبوا له المشانق، وقالوا فيه الأقاويل الباطلة، ثم تجاهلو طويلًا، حتى دارات الأيام، وتغير كل شيء، فهبط دواء وصعد آخر، وظل هو علامة ثابتة، محتفظًا بكفاءته وقدرته العجيبة التي ينفرد بها، إنَّه الباراسيتامول، السحر الدوائي المدهش، الذي يقلل الآلام ويخوض بالنيابة عنك حربًا -يكون فيها جيشك الوحيد- طاحنةً داخل جسدك؛ لخفض الحرارة وحفظ النظام، وتوفير الشعور بالراحة، رحلة طويلة، يعنونها الإبداع، والتأمل في قدرة الخالق، إنه حارس الأطفال الذكي، ومعين الشباب الفتي، وناصر الكبار القوي هل صدقتم هذه المقدمة الخادعة؟ لقد خسرتم إذًا، فهذا المقال لن يمجد في الباراسيتامول، ولن يكرر كلامًا عاديًا يردده عموم الناس، بل يبحث بالأرقام والإحصاءات الأعراض المخفية عمدًا والتي لا يسمع بها الكثيرون عن الباراستامول، فكيف وصل إلينا؟ وهل هو آمن للجميع؟ وإن كانت له أعراض جانبية فما هي؟ وما هي جرعته المناسبة للبالغين؟
تاريخ الباراسيتامول
عندما أصبحت أشجار Cinchona المستخدمة في استخلاص المواد الخافضة لدرجة الحرارة نادرة في ثمانينيات القرن التاسع عشر، بدأ البشر يبحثون عن بدائل مثيلة، وقد طور الباحثون اثنين من الأدوية الخافضة للحرارة: الأسيتانيليد في عام 1886، والفيناسيتين في عام 1887.
بحلول هذا الوقت، حضر العالم هارمون نورثروب مورس الأسيتامينوفين (باراسيتامول) في حين لم يتم استخدام عقار الأسيتامينوفين طبيًا لمدة عقدين آخرين، وفي عام 1893، اكتشف عقار الأسيتامينوفين في بول الأفراد الذين تناولوا الفيناسيتين، وفي عام 1899، حددت العلاقة الفارقة بين عقار الأسيتامينوفين والأسيتانيليد، لكن الوسط الطبي تجاهل هذا الاكتشاف إلى حد كبير في ذلك الوقت.
في عام 1946، قدم معهد دراسة الأدوية المسكنة والمهدئة منحة إلى وزارة الصحة في مدينة نيويورك لدراسة المشاكل المرتبطة بالعوامل المسكنة، وتم تعيين برنارد برودي وجوليوس أكسلرود للتحقيق، وقررا أن التأثير المسكن للألم للأسيتانيليد كان بسبب عقار الأسيتامينوفين النشط فيه، ودعوا إلى استخدام عقار الأسيتامينوفين (الباراسيتامول)؛ إذ أنه لا يسبب التأثيرات السامة للأسيتانيليد.
بيع الدواء بداية في الولايات المتحدة عام 1955م وفي عام 1963م، أضيف الباراسيتامول إلى دستور الأدوية البريطاني، واكتسب شعبيته الواسعة منذ ذلك الحين كدواء مسكن له آثار جانبية قليلة ولطيف على المعدة وذو تفاعل قليل مع العوامل الدوائية الأخرى .
ما هو الباراسيتامول وفيما يستخدم؟
الباراسيتامول APAP والمعروف أيضًا باسم أسيتامينوفين وكلاهما شيء واحد (Generic name) هو دواء يستخدم عادة للتخفيف من الألم وتقليل درجة الحرارة، وهو موجود ضمن الأدوية المصروفة بدون وصفة طبية (OTC) ويستخدم أيضًا لعلاج صداع الرأس، آلام العضلات، ألم في الظهر، وجع الأسنان، ونزلات البرد، وآلام الحيض.
وفقًا لـ Consumer Healthcare Products Association ففي كل أسبوع، حوالي 23 بالمائة من البالغين في الولايات المتحدة فقط -أو 52 مليون أمريكي- يستخدمون دواءً يحتوي على عقار الأسيتامينوفين، والذي يعتبر أحد أكثر الأدوية أمانًا عند استخدامه بالجرعة المحددة؛ فخلافًا لغيره من مسكنات الألم الشائعة، مثل الأدوية المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (NSAIDs) لا يزيد عقار أسيتامينوفين من مخاطر حدوث مشاكل في المعدة أو القلب، مما يجعله علاجًا للأشخاص الذين لا يستطيعون تحمل مضادات الالتهاب غير الستيرويدية.
وما هو أكثر من ذلك، يعتبر مقدمو الرعاية الصحية عقار باراسيتامول كواحد من مسكنات الألم القليلة التي تعتبر آمنة للاستخدام أثناء الحمل، وجدت دراسة في عام 2010 من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC) أنه: "لا يوجد خطر متزايد من العيوب الخلقية الرئيسية، عندما يستخدم الباراسيتامول في الأشهر الثلاثة الأولى من الحمل".
ولكن، كما هو الحال مع جميع الأدوية، هناك مخاطر، وأعراض جانبية ويؤكد الباحثون أن مخاطر استخدام عقار الاسيتامينوفين قد تكون أكثر خطورة مما ندركه؛ ففي عام 2015، نشر بحث في Annals of the Rheumatic Diseases خلص إلى أن مخاطر "الباراسيتامول" تم "التقليل من شأنها"، مع بعض الدراسات التي تفسر لعلاقات بين الدواء وأمراض القلب والوفاة، فلماذا لا نفتش أكثر في الأعراض الجانبية له؟
الباراسيتامول والكبد
ربما يكون تلف الكبد هو أكثر المخاطر المعروفة لاستخدام الأسيتامينوفين، ويمكن أن يحدث مثل هذا الضرر من خلال تناول جرعة زائدة منه، وفقًا لمنظمة الغذاء والدواء FDA: بين 1998-2003، كان عقار الباراسيتامول السبب الرئيسي لفشل الكبد الحاد في الولايات المتحدة، وما يقرب من نصف حالات فشل الكبد خلال هذه الفترة جاء نتيجة لجرعة زائدة عرضية.
نظرًا لأن عقار الأسيتامينوفين موجود في نطاق واسع من الأدوية التي لا تستلزم وصفة طبية والأدوية الموصوفة بجرعات مختلفة، فقد يكون من السهل جدًا تناول الكثير عن طريق الخطأ، خاصةً عند استخدام أدوية تحتوي على عقار أسيتامينوفين في وقت واحد، مع جهل المريض بالجرعة المحددة، نتيجة لإنعدام الحديث عن أضراره.
الجرعة القصوى
توصي الإرشادات الحالية بعدم استخدام أكثر من 4000 مليجرام من الباراسيتامول يوميًا للبالغين. علاوة على ذلك، يحدث تلف الكبد الناجم عن الجرعة الزائدة من الأسيتامينوفين ببطء، وغالبًا ما يحدث دون أن يلاحظه أحد حتى يفوت الأوان، لذا قد يظن الناس أن تناول Paracetamol أكثر من الموصى به لا يشكل أي ضرر، واعتبارًا من 2014، أفادت FDA أن نصف منتجي الأدوية التي تستلزم وصفة طبية قد امتثلوا طوعًا لطلب تقليل تركيز القرص إلى 325 مليجرام، مما دفعهم إلى إطلاق إجراءات لسحب الموافقة من الأدوية المركبة التي تحتوي على وصفة طبية تحتوي على أكثر من 350 مليجرام.
الحساسية الجلدية الشديدة
ارتبط عدد من الدراسات باستخدام عقار الأسيتامينوفين مع حساسية جلدية شديدة، وكشفت FDA عن أنه بين 1969-2012، حدثت 107 مثل هذه الحالات في الولايات المتحدة فقط، مما أدى إلى دخول 67 منها إلى المستشفى ووفاة 12؛ لذلك، في 2013م، أصدرت FDA تحذيرًا ينص على أن استخدام الباراسيتامول، في حالات نادرة، يمكن أن يتسبب في عدد من تفاعلات الجلد القاتلة، بما في ذلك Stevens-Johnson syndrome (SJS) and toxic epidermal necrolysis (TEN).