تحقيقا لاهداف التنمية المستدامة
مقالة بعنوان :تلوث المياه في العراق - للمعيد حسنين موسى
مقدمة
يواجه العراق أزمة مياه معقدة منذ عدة سنوات، تتسم بندرة المياه وتدهور جودتها. وقد أدى تلوث الأنهار والمجاري المائية - وخاصةً دجلة والفرات وشط العرب - إلى جانب الاعتماد على شبكات الصرف الصحي المتدهورة وتصريف النفايات الصناعية والطبية والزراعية في المسطحات المائية، إلى انخفاض كبير في إمكانية حصول السكان على مياه شرب آمنة للشرب والزراعة والاستخدام الصناعي.
مصادر التلوث وأسبابه (مفصلة)
1. مياه الصرف الصحي غير المعالجة: غالبًا ما تُصرف مياه الصرف الصحي المنزلية والصناعية في الأنهار أو تُضخ في شبكات غير كافية دون معالجة كافية بسبب نقص محطات المعالجة أو سوء الإدارة التشغيلية. وهذا يزيد من التلوث البكتيري والمواد العضوية والملوثات في مياه الشرب.
٢. النفايات الطبية والكيميائية والنفطية: تشير التقارير إلى التخلص من النفايات الطبية ومخلفات النفط في الأنهار، وخاصة بالقرب من مواقع إنتاج النفط ومصافي التكرير، مما يساهم في تلوث مياه الشرب والتربة بالمركبات الخطرة والمعادن الثقيلة.
٣. الملوحة وانخفاض التدفق بسبب السدود والجفاف: يؤدي انخفاض منسوب المياه الناجم عن السدود في المنبع في الدول المجاورة وتغير المناخ إلى زيادة ملوحة شط العرب والمجاري المائية الجنوبية، مما يجعل المياه غير صالحة للشرب والزراعة.
٤. الممارسات الزراعية المكثفة والأسمدة والمبيدات الحشرية: يدخل الجريان السطحي الناتج عن استخدام المبيدات الحشرية والأسمدة إلى مصادر المياه، مما يزيد من مستويات النترات والفوسفور والملوثات السامة.
٥. ضعف البنية التحتية وسوء الإدارة والفساد: شبكات توزيع ومعالجة المياه قديمة في العديد من المناطق، مع عدم كفاية الصيانة والإنفاق غير الفعال، مما يؤدي إلى زيادة تعرض السكان للمياه الملوثة. أبرزت احتجاجات البصرة خلال عامي 2018 و2019 خطورة هذه المشكلة وآثارها الصحية المباشرة.
المناطق الأكثر تضررًا
• البصرة والمناطق الشمالية والجنوبية الغربية: تأثرت البصرة بشدة بتلوث المياه وملوحتها، مما أدى إلى حالات تسمم وحالات دخول جماعية إلى المستشفيات.
• نهر دجلة عبر بغداد والمناطق الحضرية: في العاصمة والضواحي المحيطة بها، تؤثر تصريفات النفايات الصناعية والطبية والصلبة في نهر دجلة على إمدادات المياه المحلية.
• الأهوار والأراضي الرطبة: يُهدد تدهور جودة المياه وقلة تدفقها التنوع البيولوجي وسبل العيش المحلية.
الآثار الصحية والوبائية
• زيادة الأمراض المنقولة بالمياه: تم الإبلاغ عن حالات إسهال بكتيري، والتهاب الكبد الوبائي أ، والتهابات جلدية، وحوادث تسمم جماعي خلال الأزمات. في أزمة البصرة عام 2018، نُقل عشرات الآلاف من الأشخاص إلى المستشفيات بسبب أعراض مرتبطة بالمياه الملوثة. • المخاطر طويلة المدى: قد يزيد التعرض المطول للمعادن الثقيلة والمواد السامة من حالات الإصابة بالسرطان، ويؤدي إلى مشاكل في الكبد والكلى.
الآثار البيئية والاقتصادية
• تراجع الثروة السمكية والمحاصيل: تُقلل الملوحة والتلوث من إنتاجية الأسماك والمحاصيل، مما يؤثر على سبل عيش المزارعين والصيادين.
• تدهور الأهوار التاريخية: تُهدد عمليات استخراج المياه وإنتاج النفط الأراضي الرطبة، التي كانت موطنًا لتنوع بيولوجي مهم وتراث ثقافي رافديني.
العوامل الدولية (الأنهار العابرة للحدود)
أثّرت السدود وعمليات إدارة المياه في الدول المجاورة (تركيا وإيران) على تدفقات الأنهار في العراق، مما زاد من تركيزات الملوثات وقلل من قدرة الأنهار على تخفيفها. يُعدّ التعاون عبر الحدود أمرًا بالغ الأهمية لمعالجة هذه المشكلة.
إجراءات المنظمات المحلية والدولية
• أصدرت الأمم المتحدة واليونيسيف والمنظمات غير الحكومية الدولية تحذيرات، ووفرت برامج دعم للمياه والصحة، وتدخلات طارئة، ومبادرات في مجال المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية (WASH)، بالإضافة إلى حملات توعية.
• سلطت منظمات حقوق الإنسان والمناصرة، مثل هيومن رايتس ووتش، الضوء على إخفاقات الحكومة والحاجة الملحة للإصلاحات.
توصيات عملية وعاجلة
1. الأولويات قصيرة المدى (0-12 شهرًا):
• توزيع المياه المعالجة والآمنة على المناطق الأكثر تضررًا، وإجراء فحوصات دورية لجودة المياه في نقاط التزويد.
• تفعيل فرق الطوارئ لفحص شبكات المياه وإصلاح التسريبات لمنع التلوث بين مياه الشرب وشبكات الصرف الصحي.
2. الأولويات متوسطة المدى (1-3 سنوات):
• إنشاء أو تحديث محطات معالجة مياه الصرف الصحي وضمان تشغيلها بشكل سليم.
• تركيب محطات تحلية المياه وإزالة الأملاح في الجنوب لحماية مياه الشرب والزراعة.
• تطبيق رقابة بيئية صارمة على المصانع والمنشآت النفطية، ومنع تصريف النفايات غير المعالجة.
3. الأولويات طويلة المدى (3-10 سنوات):
• إبرام اتفاقيات إقليمية لحماية حصة العراق المائية وإدارة موارد الأنهار العابرة للحدود.
• وضع برامج لإعادة تأهيل الأهوار واستعادة النظم البيئية.
• تحديث أنظمة الري والزراعة للحد من استهلاك المياه والملوثات.
4. إدارة التمويل والشفافية:
• تعزيز المؤسسات التنظيمية، وضمان الامتثال للمعايير الوطنية والدولية، ومكافحة الفساد في مشاريع المياه والبيئة.
⸻
مؤشرات ومقاييس للرصد الدوري
• البكتيريا: الإشريكية القولونية والقولونيات الكلية
• الملوحة: المواد الصلبة الذائبة الكلية (TDS) ومحتوى الملح
• المعادن الثقيلة: الرصاص، والزئبق، والكادميوم
• المؤشرات العضوية: الطلب البيولوجي للأكسجين (BOD)، والطلب الكيميائي للأكسجين (COD)
• بقايا النفط والمبيدات الحشرية
يُعد وجود نظام رصد فعال وبيانات مُحدثة أمرًا ضروريًا لاتخاذ قرارات مستنيرة.
⸻
الخلاصة
يُمثل تلوث المياه في العراق قضية متعددة الأبعاد - بيئية، وصحية، واجتماعية، وسياسية - تتطلب استجابة وطنية منسقة مدعومة بتعاون إقليمي ومساعدة دولية. يمكن التخفيف من حدة الآثار الحادة بسرعة نسبية من خلال تدابير الطوارئ (مثل توزيع المياه الآمنة واختبارها)، إلا أن الحلول المستدامة تتطلب استثمارات كبيرة في محطات المعالجة، وتحسين الحوكمة، واتفاقيات دولية بشأن حقوق أحواض الأنهار. وبينما تقدم منظمات مثل الأمم المتحدة واليونيسف الدعم والبرامج، يظل تنفيذ السياسات وتحسين الشفافية عاملين أساسيين لمنع تفاقم الأزمة.
_____________________________________
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق