المهندسة زينب عدنان عبدزيد
تعد الزراعة العمودية من أهم الابتكارات الزراعية الحديثة التي تهدف إلى مواجهة التحديات المتزايدة الناتجة عن النمو السكاني السريع، والتغيرات المناخية، والضغوط المتزايدة على الموارد الطبيعية المحدودة. تعتمد هذه التقنية على زراعة المحاصيل في طبقات رأسية متراكبة داخل بيئات محكمة التحكم، حيث يتم استخدام تقنيات متقدمة تسمح بإنتاج زراعي مستدام وفعال، لا سيما في المناطق الحضرية التي تفتقر إلى الأراضي الزراعية الواسعة.
تعرف الزراعة العمودية كنظام زراعي يعتمد على الاستفادة القصوى من المساحات المتاحة من خلال زراعة النباتات عمودياً في طبقات متعددة، وهي تقنية تتيح إنتاج المحاصيل في البيئات المغلقة أو شبه المغلقة باستخدام الزراعة المائية أو الهوائية، بالإضافة إلى الاعتماد على الإضاءة الصناعية منخفضة الطاقة وأنظمة التحكم البيئي التي تنظم درجة الحرارة والرطوبة وتركيز ثاني أكسيد الكربون. وبفضل هذه التقنيات، يمكن توفير بيئة مثالية لنمو النباتات وتحقيق إنتاجية عالية وجودة محسنة.
تتسم الزراعة العمودية بعدد من الفوائد البيئية والاقتصادية الهامة، فهي تقلل من استهلاك المياه بشكل كبير مقارنة بالزراعة التقليدية، كما تحد من الاعتماد على المبيدات والأسمدة الكيميائية، مما ينعكس إيجابياً على نقاء وجودة المنتجات الزراعية. كما تسهم في تقليل البصمة الكربونية عبر تقليل الحاجة لنقل المنتجات لمسافات طويلة بسبب قرب مزارعها من مراكز الاستهلاك. من الناحية الاقتصادية، توفر هذه الطريقة إنتاجاً مستمراً على مدار العام، ما يعزز الأمن الغذائي ويحد من تقلبات العرض والطلب الموسمية، كما تتيح فرص عمل جديدة في قطاع التكنولوجيا الزراعية والخدمات المرتبطة بها.
رغم هذه المزايا، تواجه الزراعة العمودية تحديات تتمثل في ارتفاع تكاليف الإنشاء والتشغيل، لا سيما بسبب الحاجة للطاقة لتشغيل أنظمة الإضاءة والتهوية، بالإضافة إلى ضرورة وجود كوادر مدربة على التعامل مع التقنيات المتقدمة لضمان كفاءة الإنتاج واستدامته. ومع التقدم المستمر في مجال الطاقة المتجددة وتطوير أنظمة التحكم البيئي، يُتوقع أن تنخفض هذه التحديات تدريجياً مما يعزز من انتشار الزراعة العمودية وقدرتها على المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، خاصة في مجالات القضاء على الجوع وتحسين استدامة المدن والمجتمعات.
في المجمل، تمثل الزراعة العمودية نموذجاً زراعياً مبتكراً يجمع بين التكنولوجيا والبيئة لتوفير حلول مستدامة لتحديات الأمن الغذائي في العالم المعاصر. إن الاستثمار في البحث والتطوير وتبني هذه التقنية يمكن أن يسهم بشكل فعال في بناء مستقبل زراعي أكثر استدامة وصحة للأجيال القادمة.
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق