م.م الاء حسين
المقدمة
تواجه المدن حول العالم تحديات متصاعدة في تلوث الهواء نتيجة النمو الحضري السريع، حركة المرور، والأنشطة الصناعية. وقد أسهم تطوّر أجهزة الاستشعار، الاتصالات، والذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة نوعية في قياس، نمذجة، وإدارة جودة الهواء، من شبكات مرجعية محدودة إلى منظومات كثيفة، آنية، ومتعددة المصادر تدعم القرارات والسياسات الحضرية.
الملوثات المستهدفة ومؤشرات الجودة
الغازات: ثاني أكسيد النيتروجين (NO₂)، الأوزون الأرضي (O₃)، أول أكسيد الكربون (CO)، ثاني أكسيد الكبريت (SO₂).
الجسيمات العالقة: PM₂.₅ وPM₁₀، والكربون الأسود.
المؤشرات: AQI (مؤشر جودة الهواء)، تركيزات زمنية (ساعة/24 ساعة/سنوي)، ونِسَب التخطّي عن القيم الإرشادية.
بنية القياس الحديثة (هجين مرجعي–استشعار منخفض الكلفة)
المحطات المرجعية (Reference-Grade): عالية الدقة وفق المعايير، تُستخدم للمعايرة والتحقق.
عُقد الاستشعار منخفضة الكلفة (LCS): شبكات كثيفة توفّر دقة مكانية عالية؛ تحتاج إلى معايرة ميدانية وخوارزميات تصحيح للانجراف والحساسية البيئية.
الرصد المتنقّل: منصّات على حافلات/سيارات/دراجات تقيس خرائط “شارع-بشارع” وتكشف نقاط السخونة الميكرو-موضعية حول الشرايين المرورية والمدارس.
الاستشعار عن بعد: أقمار صناعية بصرية ورادارية ومنتجات عمود التروبوسفير (مثل NO₂ وAOD) تُسهم في التغطية الإقليمية والاتجاهات طويلة الأمد.
إنترنت الأشياء (IoT): اتصال آني (NB-IoT/LoRaWAN/4G/5G)، إدارة أساطيل حساسات، وتزامن زمني لتحليلات لحظية.
المعالجة والتحليلات المتقدمة
تنقية البيانات وضمان الجودة (QA/QC): كشف القيم الشاذة، تصحيح الحرارة/الرطوبة، وتتبع انجراف الحساسات.
المعايرة القائمة على البيانات: تقنيات انحدار متعددة، وشبكات عصبية/تعلم تجميعي، ومعايرة نقلية عبر مواقع مرجعية.
دمج البيانات (Data Fusion): مزج قياسات ميدانية مع مخرجات الأقمار الصناعية ونماذج كيمياء-نقل (CTMs) لإنتاج خرائط دقيقة بدقة 0.5–1 كم.
نمذجة المصادر والمساهمة:
تحليل المستقبلات (PMF/CCA/APR) لتجزئة المصادر (مرور، غبار، صناعة).
نمذجة تشتّت (AERMOD/CALPUFF) لتقييم السيناريوهات التنظيمية.
التنبؤ القصير الأجل (Nowcasting/Forecasting): سلاسل زمنية وتعلم آلي (XGBoost، LSTM) مُمزوجة ببيانات أرصاد ومرور لتوليد تحذيرات مبكرة.
تقدير التعرّض الصحي: ربط خرائط التركيز بسجلات السكان والحركة اليومية لتقدير جرعات التعرض الفردية والفئات الهشّة.
تطبيقات حضرية عملية
إدارة المرور الذكية: إعادة توجيه التدفق وتحديد سرعات مثلى عندما تتجاوز NO₂/PM الحدود.
تخطيط حضري قائم على الأدلة: تحديد مواقع المدارس والمستشفيات بعيدًا عن “أودية الشوارع” عالية التلوث، وتوسيع البُنى الخضراء.
إنذارات وإرشادات عامة: إشعارات آنية عبر التطبيقات واللوحات الذكية، وتوصيات نشاط خارجي حسّاسة للفئات المعرّضة.
تقييم السياسات: قياس أثر مناطق الانبعاثات المنخفضة، كهربة الحافلات، ومعايير الوقود قبل/بعد التنفيذ.
تحديات وحدود
تحيّز الحساسات منخفضة الكلفة والانجراف الزمني والموسمي.
قابلية الإسناد السببي: تراكب الملوثات مع الطقس، وصعوبة فصل مساهمة كل مصدر.
عدالة بيئية: تفاوت التعرض بين الأحياء؛ يلزم توزيع عادل للحساسات وحماية الفئات الضعيفة.
حوكمة البيانات والخصوصية: مشاركة آمنة وشفافة وفق سياسات مفتوحة.
إطار عمل توصياتي لمدينة متوسّطة
جرد القدرات ومحطات مرجعية أساسية.
نشر طبقة LCS كثيفة مع تصميم معايرة دوري (Co-location).
دمج أقمار صناعية ونماذج كيمياء-نقل لإغلاق الفجوات المكانية.
منصّة بيانات موحّدة (APIs، لوحات معلومات عامة، مقاييس QA/QC).
نماذج تنبؤ وإندار صحي مع عتبات قابلة للإجراء.
تقييم سياسة سنوي قائم على مؤشرات أداء (أدناه) ومراجعة مجتمعية.
مؤشرات الأداء الرئيسية (KPIs)
نسبة السكان فوق القيم الإرشادية السنوية لـ PM₂.₅/NO₂.
متوسط خطأ التنبؤ اليومي (MAE/RMSE) وBrier Score لتحذيرات التجاوز.
زمن الإتاحة (Uptime) للشبكة (>95%).
خفض التعرّض في النقاط الحرجة بعد تدخّلات المرور/الخُضرة.
معدل الامتثال للمصادر الصناعية عالية الانبعاث.
الخاتمة
أصبح تحليل جودة الهواء حقلاً بياناتيًا بامتياز؛ تتكامل فيه محطات مرجعية، حساسات منخفضة الكلفة، أقمار صناعية، ونماذج تعلم آلي لإنتاج صورة غنية مكانياً وزمانياً. يسهم هذا النظام الهجين في رصد أدق، توقّع أمثل، وتدخلات أكثر إنصافًا لتحسين صحة السكان ورفاههم في المدن.
المراجع (APA)
Apte, J. S., Messier, K. P., Gani, S., et al. (2017). High-resolution air pollution mapping with mobile monitoring. Environmental Science & Technology, 51(12), 6999–7008. https://doi.org/10.1021/acs.est.7b00891
Burnett, R., Chen, H., Szyszkowicz, M., et al. (2018). Global estimates of mortality associated with long-term exposure to outdoor PM₂.₅. PNAS, 115(38), 9592–9597. https://doi.org/10.1073/pnas.1803222115
van Donkelaar, A., Martin, R. V., et al. (2016). Global estimates of fine particulate matter using a combined geophysical-statistical method. Environmental Science & Technology, 50(7), 3762–3772. https://doi.org/10.1021/acs.est.5b05833
Kumar, P., Morawska, L., Martani, C., et al. (2015). The rise of low-cost sensing for managing air pollution in cities. Environment International, 75, 199–205. https://doi.org/10.1016/j.envint.2014.11.019
Lee, H., Liu, H., & Wang, Y. (2020). Calibration of low-cost air sensors: A critical review. Atmospheric Environment, 224, 117293. https://doi.org/10.1016/j.atmosenv.2020.117293
Pope, C. A., & Dockery, D. W. (2006). Health effects of fine particulate air pollution. Journal of the Air & Waste Management Association, 56(6), 709–742. https://doi.org/10.1080/10473289.2006.10464485
Shaddick, G., Thomas, M. L., Green, A., et al. (2018). Data fusion for air quality mapping. Atmospheric Environment, 187, 130–140. https://doi.org/10.1016/j.atmosenv.2018.05.059
Snyder, E. G., Watkins, T. H., Solomon, P. A., et al. (2013). The changing paradigm of air pollution monitoring. Environmental Science & Technology, 47(20), 11369–11377. https://doi.org/10.1021/es4022602
WHO. (2021). WHO global air quality guidelines: Particulate matter (PM₂.₅ and PM₁₀), ozone, nitrogen dioxide, sulfur dioxide and carbon monoxide. World Health Organization.
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق