كوني كاتب ومؤلف فلا بد ان أوضح هذا الموضوع بالتفصيل:
لكي يستطيع المواطن ان يساهم في الارتقاء بوطنه من خلال العمل المستمر على ستة محاور، وما دور الأحزاب والهيئات إلا التوعية والتأطير والتحفيز والتفعيل.
المحور الأول: الارتقاء بالنفس، فمن يريد أن يساهم في النهوض بوطنه وشعبه عليه أن يبدأ بإصلاح نفسه والارتقاء بها، فتغيير الأوضاع يبدأ بتغيير النفوس والعقول التي أصابها الاستعمار والاستبداد بالكثير من التشوّهات. مطلوب إحياء مفهوم التزكية وتحفيز الفرد للسعي نحو الكمال والإحسان والإتقان في كل شيء من خلال إحياء الفهم الرسالي للحياة وللدين وجوهره المتمثل في المعاملة وخدمة الصالح العام، وترسيخ الحس الوطني. ولك أن تتصور حجم التأثير الإيجابي الذي سيحدثه التطور المستمر والوعي المتنامي لأعداد متزايدة من المواطنين.
المحور الثاني: السلوك يومي، مطلوب أن تفكّر وتتصرف كمواطن حر كريم شريك في الوطن وليس كأجير أو مستأجر أو ضيف أو متفرج. عندها ستقطع مع السلبية وتحرص على وطنك وشعبك كما تحرص على بيتك وأهلك، وتدافع عن حريتك وكرامتك كما تدافع عن نفسك وترفض الذل وتتصدى للظلم وتنصر المظلوم، ولقد لعن الله أقواما بسبب سلبيتهم، ومن لم يكن جزءا من الحل فهو جزء من المشكلة، والحقوق الطبيعية لا تطلب أو تمنح، بل تمارس أمرا واقعا حتى تتحول إلى أعراف وقوانين.
تمسك المواطنين بحقوقهم الطبيعية والقانونية واحترامهم للقانون وأداؤهم لواجباتهم ومقاومتهم للظلم والذل والقوانين الجائرة كفيلٌ بنسف مرتكزات الاستبداد والتخلف
مطلوب أيضا التمسك بالحقوق التي يكفلها القانون والدستور كاملة، واحترام القوانين المعقولة وأداء الواجبات والالتزامات كاملة. فالعديد من التجاوزات والمظالم والانتهاكات مخالفة للدستور وللقانون، وهي مستمرة فقط لقبول الناس بها، وفي المقابل لا يمكن نيل الحقوق إذا كان الكل مخلا بواجباته.
أما القوانين الجائرة فلا بد من مقاومتها سلميا ومدنيا إلى أن تلغى أو تعدّل.
فتمسك المواطنين بحقوقهم الطبيعية والقانونية واحترامهم للقانون وأداؤهم لواجباتهم ومقاومتهم للظلم والذل والقوانين الجائرة كفيل بنسف مرتكزات الاستبداد والتخلف.
المحور الثالث: الأسرة، الفرد والأسرة كلاهما نتاج للآخر، والنتيجة إما نهوض بلا سقف وإما انحدار بلا قاع. مطلوب القطع مع الطريقة العشوائية التي تبنى بها الأسرة وتدار شؤونها، وإعداد الفرد لبناء أسرة تكون محضنا تربويا وكيانا فاعلا في المجتمع ولا تكتفي بتلبية الحاجات المعيشية على حساب الروح والفكر، ومن دون أي اهتمامات أو أنشطة. ولا نهضة من دون تفعيل دور الفرد ودور الأسرة. فالأسرة هي أهم مؤسسة تعليمية وتربوية واقتصادية فهي المدرسة الأولى، وتنتج الموارد البشرية وهي الأهم.
المحور الرابع: الانخراط في الشأن العام، المواطنة والشراكة في الوطن تترجم إلى إيجابية وانخراط مكثف في الشأن العام مع تغليب للمصلحة الوطنية. والعمل العام يشمل كل جهد يعود بالنفع على الوطن والمواطنين. مطلوب من كل مواطن المساهمة في بناء وتحديث وتطوير مؤسسات المجتمع المدني الإعلامية والمهنية والحقوقية والرقابية والفكرية والثقافية والبحثية والعلمية والاجتماعية والشبابية والرياضية والخيرية والتطوعية والخدمية والتنموية والأوقاف وكل ما يحتاجه المجتمع من مؤسسات غير حكومية وغير حزبية لتوعية وتأطير وتفعيل وخدمة أكبر عدد من المواطنين في مختلف المجالات حتى يصبح المجتمع عصيا على الاستبداد والانتكاس. فالفضاء العام ليس ملكا للحكومة والنخبة، والسياسة ليست إلا أحد مجالاته، ولا ينبغي للشعوب أن تترك الشأن العام للنخب وتعتمد على الحكومة والأحزاب لإصلاح الأوضاع وتحقيق الآمال.
صحيح أن الاستبداد لم يبق للمواطن الحافز والفرصة للانخراط في الشأن العام وأضعف لديه الحس الوطني وأشغله بنفسه وألهاه بشتى الوسائل، فتوارثت الأجيال الاستقالة من الشأن العام والميل إلى الخلاص الفردي، ولكن النهوض يقتضي التخلص من تلك العقليات والسلوكيات وتحفيز الأفراد لتغيير ما بأنفسهم وأوضاعهم فتنشأ علاقة تفاعلية بين صلاح الناس وصلاح الأوضاع تفضي إلى نهضة مستدامة.
إن المجتمع المدني الفعال والمستقل عن الحكومة والأحزاب هو أكبر شرط وضمان للديمقراطية والنهوض، وضد انحراف السياسة وتغول السلطة، كما يجعل المجتمع أكثر تماسكا وأقل اعتمادا على الحكومة وأقل تأثرا بتقلبات السياسة.
المحور الخامس: العمل السياسي، يحتاج الاهتمام المتعاظم بالسياسة إلى ترشيد حتى لا يتحول إلى أفيون ولا يكون ضرره أكبر من نفعه. فالمشاركة السياسية ليست لغوا في المقاهي والمجالس أو متابعة سلبية للأخبار، ولا ينبغي أن تقتصر على التصويت وموسم الانتخابات، بل هي فهم لحقيقة ما يجري ومواكبة لأداء المسؤولين وتواصل معهم، وفعل مؤثر يوجه السياسيين والسياسات لخدمة الشعب والوطن، مع التركيز على العمل السياسي المحلي.
على المواطنين (المنتمين للأحزاب وغير المنتمين) أن يعملوا على تحديث وتشبيب الأحزاب والجمعيات القائمة من داخلها ومن خارجها ودفعها باتجاه الانفتاح وتغليب المصلحة الوطنية ومقاومة الانغلاق والتعصب، ويشمل ذلك التصويت الواعي على أساس البرامج والمؤهلات والأداء والإنجازات، فلا يتعصب الناخب ولا ينخدع بالوعود والدعاية.
اجعلوا المرشحين يطلبون أصواتكم ويقنعوكم بالتصويت لهم، فهم ليسوا نجوم كرة أو سينما، بل رشحوا أنفسهم ليكونوا مندوبين عنكم، فعليكم أن تختاروهم بعناية وتراقبوهم عن كثب وتنصحوهم وتسألوهم باستمرار وتدعموهم إن أحسنوا وتقوّموهم وتستبدلوهم إن أساؤوا.
المشاركة السياسية ليست لغوا في المقاهي والمجالس، بل هي فهم لحقيقة ما يجري ومواكبة لأداء المسؤولين وتواصل معهم، وفعل مؤثر يوجههم لخدمة الشعب والوطن.
نور الدين السعيدي