يُعدّ العراق من أقدم مواطن الحضارات التي نشأت على ضفاف الأنهار، حيث اعتمدت حضارة وادي الرافدين على نهري دجلة والفرات كمصدر رئيسي للمياه والزراعة والحياة. إلا أن العراق اليوم يواجه أزمة مائية خانقة تُهدد أمنه الغذائي والاقتصادي والبيئي، وتنعكس مباشرةً على حياة المواطنين. تُعزى هذه الأزمة إلى عوامل طبيعية وبشرية متشابكة، مما يجعلها من أبرز التحديات الاستراتيجية التي تتطلب حلولاً عاجلة ومستدامة.
أسباب شحة المياه في العراق
1. العوامل الطبيعية
• التغير المناخي: أدت التغيرات المناخية إلى انخفاض معدلات الأمطار وزيادة موجات الجفاف.
• الارتفاع الحراري: تسبب ارتفاع درجات الحرارة بزيادة التبخر وفقدان كميات هائلة من المياه السطحية.
2. العوامل البشرية الداخلية
• الهدر وسوء الإدارة: أساليب الري التقليدية (كالري السيحي) تستهلك كميات كبيرة من المياه دون كفاءة.
• ضعف البنية التحتية: تهالك شبكات نقل المياه وتلوث مصادرها يزيد من معدلات الضياع.
• النمو السكاني والتمدّن: تزايد الطلب على المياه للاستخدامات المنزلية والصناعية والزراعية.
3. العوامل الخارجية
• المشاريع المائية في دول المنبع: بناء السدود الضخمة في تركيا وإيران قلّل بشكل كبير من واردات دجلة والفرات.
• غياب الاتفاقيات الملزمة: عدم وجود معاهدات دولية عادلة لتقاسم المياه يزيد من تفاقم الأزمة.
الآثار المترتبة على شحّة المياه
• الأمن الغذائي: انخفاض المساحات المزروعة وتراجع إنتاج الحبوب الأساسية كالقمح والشعير.
• الأمن البيئي: جفاف الأهوار العراقية وتدهور التنوع البيولوجي.
• الهجرة والنزوح: اضطرار السكان في بعض المناطق إلى النزوح بسبب الجفاف وانعدام مصادر الرزق.
• الصحة العامة: تلوث مصادر المياه المتبقية أدى إلى انتشار الأمراض المنقولة بالمياه.
الحلول الممكنة
1. الإدارة الداخلية الرشيدة
• تحديث أساليب الري باستخدام تقنيات الري بالتنقيط والرش.
• صيانة شبكات نقل المياه وتقليل الهدر.
• تعزيز الوعي المجتمعي بترشيد الاستهلاك.
2. التعاون الإقليمي والدولي
• الدخول في مفاوضات جادة مع دول المنبع لتوقيع اتفاقيات ملزمة وعادلة.
• الاستعانة بالمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي للضغط نحو تقاسم منصف للمياه.
3. التقنيات البديلة
• اعتماد تقنيات حصاد المياه من الأمطار والسيول.
• استثمار محطات تحلية المياه في المحافظات الجنوبية.
• إعادة استخدام المياه العادمة بعد معالجتها لأغراض الزراعة والصناعة.
الخاتمة إن شحّة المياه في العراق ليست مجرد أزمة وقتية، بل هي تحدٍ استراتيجي يهدد وجود واستقرار الدولة على المدى الطويل. ويتطلب مواجهتها رؤية وطنية متكاملة تجمع بين الإدارة الرشيدة للموارد الداخلية، والتفاوض الفاعل مع دول الجوار، والاستثمار في التقنيات الحديثة. بذلك يمكن للعراق أن يحافظ على إرثه الحضاري ويضمن مستقبل أجياله القادمة في بيئة آمنة ومستدامة.