في العصر الحديث، تزداد التقنيات الرقمية تعقيدًا وتطورًا، ليصبح الذكاء الاصطناعي (AI) من أهم الأدوات التي تؤثر في شتى مجالات الحياة، ومنها عالم الفن. فنون ما بعد ما بعد الحداثة (Post-Postmodernism) تمثل مرحلة فنية وثقافية تسعى إلى تجاوز التشكيك والانعكاسية التي سادت فنون ما بعد الحداثة، وتتبنى رؤية جديدة تدمج بين التقنية والتعبير الإنساني. هنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي كقوة محورية في إعادة تعريف الإبداع الفني.

الذكاء الاصطناعي كأداة للإبداع

يستخدم الفنانون الذكاء الاصطناعي كأداة لتوسيع إمكانياتهم الإبداعية، حيث يمكن للأنظمة الذكية تحليل كميات ضخمة من البيانات البصرية والصوتية لتوليد أعمال فنية جديدة وغير تقليدية. مثل هذه الأعمال لا تعكس فقط رؤية الإنسان، بل تستفيد من قدرات الحوسبة لإنتاج تصاميم وأشكال وأساليب لم يكن بالإمكان تصورها في السابق.

مثال عملي: برنامج مثل DALL·E يمكنه توليد صور فنية استنادًا إلى أوصاف نصية، مما يمكّن الفنان من تصور أفكار معقدة وتحويلها إلى صور ملموسة بلمسة تقنية متقدمة.

الذكاء الاصطناعي والفن التفاعلي

في فنون ما بعد ما بعد الحداثة، يتم التركيز على تجربة المشاهد وتفاعله مع العمل الفني. الذكاء الاصطناعي يمكنه خلق أعمال فنية تفاعلية تستجيب لحركات الزائر، أو لمشاعره، أو حتى لتغيرات البيئة المحيطة، مما يجعل الفن أكثر ديناميكية وشخصية، ويعكس تجارب متنوعة تعتمد على التفاعل اللحظي.

مثال عملي: مشاريع مثل Rain Room حيث يتفاعل الذكاء الاصطناعي مع حركة الزوار ليخلق تجربة غامرة، أو أعمال فنية تعتمد على تتبع تعابير الوجه لتحويلها إلى صور أو أصوات فنية فريدة.

تحديات فلسفية وأخلاقية

مع دور الذكاء الاصطناعي المتزايد في الفن، تبرز أسئلة حول مفهوم الإبداع والملكية الفنية. هل يمكن اعتبار العمل الذي صممه الذكاء الاصطناعي فنًا إنسانيًا؟ وما مدى أهمية الدور الإنساني في هذا السياق؟ كذلك، تثير الأعمال الفنية التي ينتجها الذكاء الاصطناعي قضايا حول حقوق الملكية الفكرية والأصالة، حيث يصبح من الصعب تحديد المبدع الحقيقي.

مثال عملي: في عام 2018، بيع عمل فني مولّد بالذكاء الاصطناعي باسم Edmond de Belamy بمزاد علني مقابل 432,500 دولار، مما أثار جدلاً واسعًا حول ملكية العمل وحقوق الفنان.

الذكاء الاصطناعي ودمج الفنون المتعددة

يسمح الذكاء الاصطناعي أيضًا بدمج أنواع متعددة من الفنون، مثل الموسيقى، التصوير، والفيديو، في أعمال متكاملة تتجاوز الحدود التقليدية للفن. في عصر ما بعد ما بعد الحداثة، يرى الفنانون أن التقنية ليست مجرد وسيلة، بل شريك في العملية الإبداعية، مما يفتح آفاقًا جديدة للفن متعدد الأبعاد.

مثال عملي: مشروع Refik Anadol، الفنان التركي الأمريكي، يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحويل البيانات إلى عروض فنية رقمية ضخمة تمزج بين الضوء، الصوت، والبيانات لتجارب بصرية وسمعية فريدة.

الخلاصة

يُعتبر الذكاء الاصطناعي قوة دافعة في فنون ما بعد ما بعد الحداثة، فهو يعيد تشكيل مفهوم الإبداع من خلال تقديم أدوات جديدة وأساليب مبتكرة. على الرغم من التحديات الفلسفية والأخلاقية التي تثيرها هذه التكنولوجيا، فإنها تفتح الباب أمام آفاق غير محدودة للفنانين لاستكشاف إمكانياتهم وتقديم تجارب فنية فريدة تتناسب مع تعقيدات العصر الرقمي.

"يأتي هذا المقال ضمن أهداف التنمية المستدامة، وبالأخص الهدف الرابع: التعليم الجيد."

جامعة المستقبل الجامعه الاولى في العراق .