القيادة المطلوبة
د. ليث علي مطر
العالم على أعتاب تحولات غير مسبوقة: نحو قيادة أخلاقية تعيد صياغة المستقبل
يُواجِه العالم اليوم تحولات جذرية تُعيد تشكيل ملامحه تحت وطأة العولمة وتَسَارُع وتيرة الاتصالات، حيث لم يَعُد أيٌّ من أقطاب الكرة الأرضية بمنأى عن التأثر المتبادل، بدءاً من تداعيات الاحتباس الحراري وصولاً إلى الأزمات المالية المتلاحقة. هذه التحديات المُعقَّدة تفرض على الإنسانية اتخاذ قرارات جريئة وفعَّالة، تُراعي معاناة الإنسان وتُكافئ جهوده بما يتناسب مع عطائه، بعيداً عن النماذج القيادية البالية التي تُكرِّس هيمنة "البطل الأوحد" الذي يُنسب إليه الفضل في انتصارات تُسطَّر بدماء الآخرين، كالجنود في ساحات الوغى أو العبيد الذين بنوا الأهرامات بينما احتكر الفراعنة المجد.
لقد أصبحت هذه الصورة النمطية للقيادة من الماضي، فالعالم يشهد تحولاً جذرياً في مفهوم القيادة نفسه، بدليل وصول قادة جُدد إلى سُدَّة الحكم في دول كانت تُعد حكراً على فئة محددة، أو اندلاع حركات تطالب بمشاركة أوسع في صنع القرار. فالقِيادة اليوم لم تعد امتيازاً لفرد أو جماعة، بل هي مسؤولية تَتقاسمها شرائح المجتمع كافة.
وفي خضم هذا التحول، برزت "أزمة القيادة" كإشكالية رئيسة في الأدبيات الإدارية الحديثة، حيث اتفق المفكرون على أن الحلّ الأمثل لها يكمن في ترسيخ القِيَم الأخلاقية كأساسٍ للتفاعلات الإنسانية. ومن هنا، تَصدَّرت نماذج قيادية مثل "القيادة التحويلية" و"القيادة الخادمة" الواجهة، لتركيزها على تنمية الأتباع وتمكينهم، عبر تبني مبادئ التعاطف، والتشارك في صنع القرار، وتحويل التابع إلى قائدٍ بدوره. هذه النماذج ليست وليدة العصر، بل هي امتداد لإرث إنساني عريق يؤكد أن الإنسان – بوصفه قيمة عليا – يجب أن يكون محور أي حلولٍ للأزمات الراهنة أو المستقبلية.
وفي هذا السّياق، تُطالَب المؤسسات التعليمية بدور محوري في إعادة بناء المنظومة القيمية للمجتمع، عبر تبني نموذج "القيادة الخادمة" الذي يُعلي من شأن القدوة الأخلاقية، ويعزز قيم المواطنة التنظيمية. فالمجتمعات اليوم بأمس الحاجة إلى إصلاحٍ جذري يُعيد لها نسيجها الأخلاقي، ويخلق بيئة داعمة للإبداع تقوم على الشفافية ومحاربة الفساد.
ولا يُخفى أن مجتمعنا – بعد عقود من تغلغل قيم التكبُّر والأنانية – يحتاج إلى مراجعةٍ عاجلة تُعيد التوازن إلى شخصيته الجماعية، عبر تعزيز قيم التواضع والإيثار، وترسيخ ثقافة العمل الجماعي التي تُكرِّس فكرة أن القيادة الحقيقية تبدأ بخدمة الآخرين. فهذا التحول ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورةٌ ملحَّة لبناء مجتمعٍ قادر على مواجهة التحديات، وتحقيق نهضةٍ تُوازن بين إرث الماضي وطموحات المستقبل.
الجامعة الاولى في العراق