استراتيجية المحيط الأزرق: خلق أسواق غير متنازع عليها
م.م نور صالح جابر
مقدمة: في عالم الأعمال شديد التنافسية، غالبًا ما تتصارع الشركات في أسواق مزدحمة، فيما يعرف بـ "المحيطات الحمراء"، حيث تتضاءل الأرباح ويصبح النمو محدودًا. تقدم استراتيجية المحيط الأزرق، التي طورها دبليو تشان كيم ورينيه موبورغن، بديلًا جذابًا: فبدلًا من التنافس في الأسواق الحالية، تدعو هذه الاستراتيجية إلى ابتكار أسواق جديدة غير متنازع عليها، أو "المحيطات الزرقاء"، حيث تصبح المنافسة غير ذات صلة. في "المحيطات الحمراء"، تتصارع الشركات على حصة متضائلة من الأرباح، تمامًا مثل أسماك القرش التي تتنافس في مياه ملطخة بالدماء. أما "المحيطات الزرقاء" فهي تمثل مساحات سوقية واسعة وعميقة وغير مستغلة، حيث يمكن للشركات أن تنمو بسرعة وربحية. يكمن جوهر استراتيجية المحيط الأزرق في خلق قيمة مبتكرة، وهو ما يتحقق من خلال السعي المتزامن إلى التمايز والتكلفة المنخفضة. وهذا يعني أنه بدلًا من الاختيار بين تقديم قيمة أكبر للعملاء بتكلفة أعلى، أو تقديم قيمة مقبولة بتكلفة أقل، تسعى الشركات إلى تقديم قيمة غير مسبوقة بتكلفة معقولة، وبالتالي خلق طلب جديد واختراق أسواق جديدة. المبادئ الأساسية لاستراتيجية المحيط الأزرق: تتضمن استراتيجية المحيط الأزرق عدة مبادئ أساسية توجه الشركات في سعيها لابتكار أسواق جديدة :إعادة بناء حدود السوق: يتطلب هذا المبدأ من الشركات تحدي الافتراضات التقليدية حول حدود الصناعة التي تعمل فيها، والبحث عن فرص تتجاوز هذه الحدود.التركيز على الصورة الكبيرة: بدلًا من الانشغال بالتفاصيل الدقيقة والأرقام، يجب على الشركات التركيز على الرؤية الاستراتيجية الشاملة التي توجه قراراتها .تجاوز الطلب الحالي: لا ينبغي للشركات أن تركز فقط على تلبية احتياجات العملاء الحاليين، بل يجب أن تسعى أيضًا إلى فهم وتلبية احتياجات غير العملاء الذين لم يشاركوا في السوق بعد.الحصول على التسلسل الاستراتيجي الصحيح: عند تنفيذ استراتيجية المحيط الأزرق، من الضروري اتباع ترتيب منطقي يبدأ بتقديم قيمة استثنائية للمشتري، ثم تحديد سعر استراتيجي جذاب، وأخيرًا إدارة التكاليف لضمان الربحية. التغلب على العقبات التنظيمية: غالبًا ما تواجه الشركات مقاومة داخلية عند محاولة الابتعاد عن الوضع الراهن. لذلك، من الضروري معالجة هذه العقبات التنظيمية وتأمين دعم الموظفين للإستراتيجية الجديدة. بناء التنفيذ في الاستراتيجية: لا يكفي وضع استراتيجية جيدة، بل يجب أيضًا التأكد من أنها قابلة للتنفيذ بفعالية. وهذا يتطلب مواءمة جميع جوانب المنظمة، من الهيكل والثقافة إلى الحوافز والموارد، مع الاستراتيجية الجديدة. أمثلة على استراتيجية المحيط الأزرق: نجحت العديد من الشركات في تطبيق استراتيجية المحيط الأزرق لإنشاء أسواق جديدة وتحقيق نمو هائل. ومن الأمثلة البارزة على ذلك: سيرك دو سوليه: أعاد هذا السيرك ابتكار صناعة السيرك التقليدية من خلال الجمع بين عناصر من المسرح والباليه والأوبرا، مما جذب جمهورًا جديدًا تمامًا من البالغين والشركات.نتفليكس: غيرت هذه الشركة طريقة استهلاكنا للمحتوى المرئي من خلال الانتقال من خدمة تأجير أقراص DVD عبر البريد إلى تقديم خدمة بث عبر الإنترنت، وبالتالي إنشاء سوق جديد لمشاهدة الأفلام والبرامج التلفزيونية حسب الطلب .أبل (آي بود): أحدث هذا الجهاز ثورة في صناعة الموسيقى من خلال الجمع بين التصميم الأنيق وسهولة الاستخدام ومكتبة موسيقى رقمية ضخمة، مما جعل الموسيقى المحمولة في متناول الجميع.
خلاصة: تقدم استراتيجية المحيط الأزرق إطارًا عمليًا للشركات التي تسعى إلى التحرر من المنافسة الشرسة وتحقيق النمو المستدام. من خلال التركيز على ابتكار القيمة وخلق أسواق جديدة، يمكن للشركات أن تفتح آفاقًا جديدة للنجاح وتزدهر في عالم الأعمال المتغير باستمرار.
جامعة المستقبل الاولى في العراق