يُعتبر علم السموم الجنائي أحد الفروع الحيوية في الطب الشرعي، حيث يلعب دورًا محوريًا في كشف الجرائم المرتبطة بالتسمم. من خلال تحليل المواد الكيميائية والسموم في الجثث أو العينات البيولوجية، يساعد هذا العلم في تحديد سبب الوفاة أو التسمم المحتمل، مما يسهم في كشف ملابسات العديد من الجرائم. في هذا المقال، سنستعرض أهمية علم السموم الجنائي، طرق التحليل المستخدمة، ودوره في تحقيق العدالة.
أولًا: مفهوم علم السموم الجنائي
علم السموم الجنائي هو المجال الذي يهتم بدراسة تأثير المواد السامة على الجسم، وتحديد وجودها في العينات البيولوجية مثل الدم، البول، الأنسجة، والشعر. يركز هذا العلم على:
التعرف على نوع السم الموجود.
تحديد الكمية التي تعرض لها الضحية.
تقدير الزمن الذي تم فيه التعرض للمادة السامة.
ثانيًا: دور علم السموم في كشف الجرائم
يساعد علم السموم الجنائي في حل العديد من القضايا الجنائية، مثل:
1. تحديد سبب الوفاة في حالات الاشتباه بالتسمم
عند العثور على جثة يُشتبه في تعرضها للتسمم، يقوم خبراء السموم بفحص الأعضاء الداخلية وسوائل الجسم لتحليل وجود مواد سامة، مثل السيانيد أو الزرنيخ أو الأدوية بجرعات قاتلة.
2. كشف حالات التسمم غير القاتلة
في بعض القضايا، قد يُستخدم التسمم كوسيلة لإيذاء شخص دون التسبب في وفاته، مثل حالات التسمم التدريجي بجرعات صغيرة. يمكن لخبراء السموم اكتشاف هذه المواد قبل أن تتسبب في أضرار دائمة.
3. تحليل المخدرات والكحول في الجرائم
يلعب علم السموم دورًا مهمًا في الكشف عن تعاطي المخدرات أو الكحول في حالات مثل:
حوادث السير، حيث يتم تحليل عينات السائقين للتحقق من مستويات الكحول أو المخدرات.
القضايا المرتبطة بالاعتداء، حيث يمكن أن يكون المخدر قد استُخدم لتخدير الضحية.
4. التحقق من التسمم المتعمد أو غير المتعمد
قد يكون التسمم نتيجة جريمة قتل، أو خطأ طبي، أو حتى حادث عرضي. يساعد التحليل السُمي في التمييز بين هذه الحالات من خلال فحص طبيعة المادة السامة وكميتها.
ثالثًا: طرق تحليل السموم الجنائية
يعتمد الخبراء على مجموعة من الأساليب المتقدمة للكشف عن السموم، ومنها:
التحليل الطيفي الكتلي (Mass Spectrometry - MS): تقنية حساسة تُستخدم لتحديد المركبات الكيميائية في العينات البيولوجية.
التحليل الكروماتوغرافي السائل (Liquid Chromatography - LC): يُستخدم لفصل المواد المختلفة داخل العينة لتحديد نوع السم.
التحليل الكيميائي التقليدي: يشمل اختبارات ميدانية للكشف عن بعض السموم الشائعة مثل السيانيد أو الزئبق.
رابعًا: أشهر حالات التسمم الجنائي في التاريخ
علم السموم الجنائي ساهم في كشف العديد من الجرائم الغامضة عبر التاريخ، مثل:
قضية ألكسندر ليتفينينكو (2006): ضابط استخبارات روسي تعرض للتسمم بمادة البولونيوم-210، وهي مادة مشعة نادرة تم اكتشافها من خلال التحليل السُمي. جريمة التسمم بالزرنيخ في القرن الـ19: كان الزرنيخ يُعرف باسم "سم السيدات" لأنه لا طعم له وسهل الإخفاء، مما أدى إلى استخدامه في العديد من عمليات القتل. قضية التسمم بالكحول المغشوش: في بعض البلدان، تم الكشف عن جرائم تتعلق بإضافة الميثانول إلى المشروبات الكحولية، مما تسبب في وفيات عديدة.
خاتمة
علم السموم الجنائي هو أداة أساسية في كشف الجرائم المرتبطة بالتسمم، حيث يساعد في تقديم أدلة علمية موثوقة يمكن استخدامها في المحاكم لتحقيق العدالة. ومع التطور المستمر في تقنيات التحليل، أصبح من الصعب الإفلات من جرائم التسمم، مما يعزز دور هذا المجال في مكافحة الجرائم وضمان سلامة المجتمع.
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق