في عصرٍ تتسارع فيه وتيرة التحول الرقمي، لم تعد الجرائم محصورة في العالم المادي، بل امتدت إلى الفضاء السيبراني، مما استدعى توظيف تخصصات تقنية متقدمة في خدمة العدالة، وعلى رأسها هندسة الشبكات. هذا التخصص أصبح شريكًا أساسيًا في تحليل الأدلة الجنائية الرقمية، خاصة في الجرائم التي تترك آثارًا رقمية على الإنترنت أو الأجهزة الذكية.
ما المقصود بالأدلة الجنائية الرقمية؟
هي أي معلومات ذات قيمة قانونية يتم تخزينها أو نقلها عبر أجهزة إلكترونية، مثل الهواتف، الحواسيب، السيرفرات، أو الشبكات. تشمل هذه الأدلة: رسائل البريد الإلكتروني، سجلات المكالمات، ملفات الوسائط، بيانات التصفح، وسجلات الدخول إلى الأنظمة.
دور هندسة الشبكات في تحليل الأدلة
يُسهم مهندسو الشبكات في:
تتبع حركة البيانات عبر الشبكات لتحديد مصدر الهجوم أو الجريمة.
تحليل سجلات الخوادم (Logs) للكشف عن محاولات اختراق أو وصول غير مصرح به.
استرجاع البيانات المحذوفة أو المشفرة باستخدام أدوات تحليل متقدمة.
تحديد موقع المشتبه به من خلال تتبع عنوان الـ IP أو بيانات الاتصال.
تحليل حركة المرور الشبكي (Network Traffic) لاكتشاف أنشطة مشبوهة مثل تحميل ملفات ضارة أو إرسال بيانات مسروقة.
أمثلة تطبيقية
في قضايا الابتزاز الإلكتروني، يمكن لمهندس الشبكات تحديد مصدر الرسائل وتتبع مسارها عبر الإنترنت.
في جرائم الاختراق، يُستخدم تحليل الشبكة لتحديد الثغرات التي استُغلت وكيفية الدخول إلى النظام.
في قضايا تسريب البيانات، يمكن تحديد الأجهزة أو الحسابات التي قامت بتحميل أو إرسال الملفات الحساسة.
التحديات التي تواجه هذا المجال
التشفير: بعض البيانات تكون مشفرة بشكل يصعب كسره دون أدوات متقدمة.
الخصوصية: يجب أن يتم جمع الأدلة الرقمية وفقًا للقوانين لضمان قبولها في المحكمة.
الزمن: كل ثانية تمر قد تعني فقدان بيانات مهمة، لذا يتطلب الأمر سرعة ودقة في التحليل.
إن تقاطع الأدلة الجنائية مع هندسة الشبكات يمثل نقلة نوعية في عالم التحقيقات، حيث أصبحت البيانات الرقمية بمثابة "بصمات إلكترونية" لا تقل أهمية عن البصمات التقليدية. ومع تطور الجرائم الإلكترونية، تزداد الحاجة إلى كوادر متخصصة قادرة على فك شيفرة الجريمة الرقمية، وتحقيق العدالة في عالم متصل بالشبكات.
جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق