م.د زين العابدين عبود كاظم
كلية العلوم الإدارية / قسم المالية والمصرفية
يمثل الفقر أحد أبرز التحديات الهيكلية التي تواجه المجتمعات في سعيها نحو تحقيق التنمية المستدامة. وفي ظل تفاقم التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية، يبرز التعليم الجيد كأداة استراتيجية فعالة قادرة على كسر حلقة الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية. فالتعليم لا يُعدّ فقط حقًا أساسيًا من حقوق الإنسان، بل هو أيضًا محفز جوهري للتمكين الاقتصادي والاجتماعي، ووسيلة لتحقيق النمو الشامل والمستدام.
أولاً: العلاقة بين الفقر والتعليم – حلقة متبادلة التأثير
ترتبط ظاهرتا الفقر وضعف التحصيل التعليمي بعلاقة تبادلية معقدة؛ فالأسر الفقيرة غالبًا ما تعاني من ضعف إمكانية الوصول إلى فرص التعليم الجيد، سواء بسبب الكلفة المباشرة أو الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة. في المقابل، فإن محدودية التعليم تؤدي إلى قلة فرص العمل المنتج والدخل المستقر، مما يكرس دائرة الفقر بين الأجيال.
ثانيًا: التعليم الجيد كوسيلة لتمكين الأفراد والمجتمعات
يسهم التعليم الجيد في تزويد الأفراد بالمعارف والمهارات اللازمة لولوج سوق العمل وتحقيق الاستقلال الاقتصادي. كما يعزز التعليم المهارات الحياتية والاجتماعية، مثل التفكير النقدي، والمشاركة المدنية، والمساواة بين الجنسين. وبالتالي، فإن التعليم لا يفتح فقط آفاقًا اقتصادية، بل يعزز من قدرة الأفراد على المطالبة بحقوقهم والمشاركة الفاعلة في بناء مجتمعات أكثر عدالة وشمولًا.
ثالثًا: أثر التعليم في تعزيز العدالة الاجتماعية
التعليم الجيد يسهم في تقليص الفجوات الاجتماعية وتحقيق تكافؤ الفرص بين مختلف الفئات، خاصة الفئات المهمشة والفقيرة. فسياسات التعليم الشامل والمنصف، التي تراعي الفوارق الاجتماعية والثقافية، يمكن أن تؤدي إلى إعادة توزيع الموارد والمعرفة بما يحقق عدالة اجتماعية أوسع نطاقًا.
رابعًا: تحديات وإستراتيجيات التحول من الفقر إلى الفرص
رغم ما للتعليم من إمكانات، إلا أن تحقيق دوره في كسر الفقر يتطلب التغلب على عدة تحديات، من بينها: ضعف البنية التحتية التعليمية، تفاوت الجودة، محدودية التمويل، وعدم تكافؤ الفرص بين الجنسين والمناطق الجغرافية.
وللتغلب على هذه التحديات، ينبغي تبني سياسات تعليمية شاملة تدمج البعد الاجتماعي، وتوفير حوافز للفئات الفقيرة، وتوسيع نطاق التعليم المهني والتقني، وربط التعليم باحتياجات سوق العمل.
إن كسر حلقة الفقر وتعزيز العدالة الاجتماعية لا يمكن أن يتحقق من دون استثمار حقيقي في التعليم الجيد. فالتعليم يمثل حجر الزاوية في بناء مجتمعات أكثر إنصافًا واستدامة، حيث تُمنح لكل فرد فرصة حقيقية لتغيير مصيره والمساهمة في تنمية بلده. وعليه، فإن التقاء الهدف الأول والهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة يعكس ضرورة العمل المشترك من أجل مستقبل يخلو من الفقر، ويزدهر فيه العدل والمعرفة.