م.م غدير حيدر سعيد
تُعَدّ اللغة العربية من أهم مقومات الهوية الثقافية للأمة العربية، فهي وعاء الفكر ومرآة الحضارة ووسيلة التواصل بين الأجيال. غير أنّ قيمتها لا تتوقف عند كونها لغةً للتعبير أو أداةً للمعرفة، بل تتجاوز ذلك لتكون ركيزة أساسية من ركائز التنمية المستدامة، التي تقوم على حفظ الموارد، وصون التراث، وبناء الإنسان القادر على مواكبة العصر دون التفريط في هويته.
اللغة العربية كتراث مستدام
الاستدامة لا تعني فقط المحافظة على الموارد الطبيعية، بل تشمل أيضاً حماية الموارد الثقافية واللغوية للأمم. ومن هذا المنطلق، فإن اللغة العربية تُعدّ مورداً حضارياً متجدداً، يحمل في طياته إرثاً معرفياً وأدبياً هائلاً. إن استمرار العربية كلغة حيّة يعني استدامة لهذا التراث، وضمان نقله إلى الأجيال القادمة، بما يحقق التوازن بين الأصالة والمعاصرة.
العربية والتنمية المجتمعية
ترتبط الاستدامة كذلك بتمكين الإنسان من المعرفة وبناء مجتمع متماسك. واللغة العربية تُسهم في هذا الجانب من خلال كونها أداة للتعليم والتفكير والإبداع. فهي تسهّل التواصل بين الأفراد، وتدعم البحث العلمي باللغة الأم، وتُعزز الهوية الثقافية المشتركة التي تُعدّ عنصراً أساسياً في استقرار المجتمعات وتنميتها.
اللغة العربية في عصر التكنولوجيا
من متطلبات الاستدامة أن تكون العربية حاضرة في الثورة الرقمية والتقنيات الحديثة. ويُعدّ إدماج اللغة العربية في الذكاء الاصطناعي، والتطبيقات الذكية، والنشر الإلكتروني خطوة أساسية لضمان بقائها لغةً فاعلة وقادرة على تلبية احتياجات المستقبل. وهنا يبرز دور الجامعات في الاستثمار في البحث العلمي الذي يربط العربية بالتقنيات الحديثة، بما يحقق استدامة معرفية ولغوية في آنٍ واحد.
إن حماية اللغة العربية والارتقاء بها هو مسار من مسارات الاستدامة، فهو يحقق التوازن بين المحافظة على التراث والانفتاح على العصر. وبذلك تبقى العربية ليست فقط لغة الماضي، بل لغة الحاضر والمستقبل، تسهم في بناء مجتمع متماسك، واقتصاد معرفي مزدهر، وعالم أكثر تنوعاً وغنى ثقافياً.