م.م غدير حيدرسعيد
لم تعد الرواية مجرد وسيلة للتسلية أو الحكي، بل غدت فضاءً للتعبير عن قضايا الإنسان والوجود، وأداةً لنقل الأفكار بين الثقافات. وقد لعبت الترجمة دورًا محوريًا في تطوير الرواية العربية الحديثة، إذ عرّفت الأدباء العرب على أساليب وتقنيات سردية متجددة، وفتحت أمامهم آفاقاً إنسانية واسعة. ويبرز هنا مفهوم الاستدامة الثقافية بوصفه الضامن لاستمرارية التفاعل بين الأدب العربي ونظيره العالمي، بما يُسهم في إثراء الرواية العربية وجعلها أكثر ارتباطاً بقضايا التنمية البشرية والمجتمعية.
الترجمة بوصفها أداة للاستدامة الثقافية
تُمثل الترجمة عملية إحياء وتجديد، فهي تنقل التجارب العالمية إلى اللغة العربية، وتمنح الرواية العربية قدرة على التجدّد المستمر عبر الاطلاع على أنماط السرد العالمية. وهذا التجدّد هو شكل من أشكال الاستدامة الفكرية، إذ يُبقي الأدب العربي مواكبًا للتحولات العالمية دون انقطاع.
أثر الترجمة في البنية والموضوعات
أدخلت الترجمة أنماطًا سردية مثل الرواية الواقعية والرمزية وتيار الوعي، مما منح الرواية العربية مرونة فنية قادرة على الاستمرار والتطور. كما حملت الترجمة موضوعات إنسانية مثل العدالة الاجتماعية، الحرية، علاقة الإنسان بالطبيعة، وهي موضوعات تلتقي مع أهداف الاستدامة في بعدها البيئي والاجتماعي.
الرواية العربية وقضايا الاستدامة
مع الانفتاح على الروايات المترجمة التي تناولت قضايا البيئة، الفقر، حقوق المرأة، والهجرة، أصبح لدى الكتّاب العرب وعي أعمق بضرورة إدراج هذه القضايا في نصوصهم. فقد جسّدت بعض الروايات العربية الحديثة البعد البيئي والاجتماعي، لتصبح الرواية شريكًا في نشر ثقافة الاستدامة، وبذلك تؤدي الترجمة وظيفة مزدوجة: تطوير الفن الروائي وتعزيز وعي المجتمع بقضاياه المصيرية.
الخاتمة
إن الترجمة لم تكن مجرد عامل في تطوير الرواية العربية الحديثة، بل غدت قناة لتحقيق الاستدامة الثقافية والمعرفية، وضمان حضور الأدب العربي في حوار إنساني مفتوح مع العالم. كما أسهمت في توسيع دائرة اهتمام الرواية العربية لتشمل قضايا الاستدامة، فجعلت من الأدب وسيلة لبناء وعي جماعي يربط الإبداع بالمسؤولية تجاه الإنسان والبيئة والمستقبل.