انت الان في قسم علوم القرآن والتربية الاسلامية

الافتراض المسبق والاستلزام الحواري: الفارق الجوهري بين ما تُلزم به اللغة، وما يلمّح إليه السياق تاريخ الخبر: 12/08/2025 | المشاهدات: 271

مشاركة الخبر :

م. د أثير كريم الحسناوي ، تدريسي في قسم علوم القرآن والتربية الإسلامية في كلية التربية جامعة المستقبل ، 12/8/2025
الافتراض المسبق ، الاستلزام الحواري ، التداولية ، اللسانيات الحديثة ، المضمر ، الثابت.
يعد مصطلحا الافتراض المسبق والاستلزام الحواري من مصطلحات اللسانيات الحديثة ، خصوصا التداولية ، وقد ظهرا في دراسات اوستن وسيرل وبول غرايس ، في نظرية أفعال الكلام ، والاستلزام الحواري ، ويرجع الفضل في اكتشاف هذين المصطلحين إلى بول غرايس (١) ، وليست مسألة التمييز بين الافتراض المسبق والاستلزام الحواري جدلًا نظريًا فحسب، بل هي أداة حاسمة لفهم النصوص والخطابات، لأنها تحدد ما تفرضه اللغة ضمنًا، وما توحي به المقامات والسياقات(٢).
أولًا: ما هو الافتراض المسبق؟
الافتراض المسبق هو معنى مضمر وثابت، تفرضه البنية اللغوية للجملة، حتى دون أن يُصرَّح به صراحة.
المثير فيه أنه يظل قائمًا سواء أكانت الجملة مثبتة، أم منفية، أم استفهامية.
مثال:"نادم هو على تركه الصلاة."
هذه الجملة تحمل ضمنًا حقيقة مفادها: أنه ترك الصلاة في الماضي. وهذا المعنى يبقى موجودًا حتى لو قلت:
"ليس نادمًا على تركه الصلاة."
"هل هو نادم على تركه الصلاة؟"
ومثال آخر ، في قولنا: أقلع زيد عن التدخين ، هذا يفترض أنه كان مدخنا ، ولا يختلف المعنى لو تغير الأسلوب بقولنا: هل أقلع زيد عن التدخين ؟. أو لم يقلع زيد عن التدخين.
وكذلك في قولنا : طلق محمد زوجته ، هذا يفترض أن محمدا كان متزوجا ، ولا يختلف معنى الجملة لو قلنا : هل طلق محمد زوجته ، أو لم يطلق محمد زوجته .
في كل الحالات، "ترك الصلاة"، و"الاقلاع عن التدخين" ، و"طلاق محمد" ، ليس محل نقاش، بل جزء من البنية المفهومية للجملة. ولا يمكن نفيه إلا بإنكار الجملة من جذورها.
خلاصة الافتراض المسبق ثابت لغوي، لا يسقط بتغيير صيغة الجملة.
ثانيًا: ما هو الاستلزام الحواري؟
الاستلزام الحواري هو معنى إضافي ينشأ من السياق والمقام، لا من الجملة ذاتها(٣).
إنه تلميح أو إيحاء يستنتجه السامع من قرائن الحال، وليس من المعنى اللغوي المباشر.
مثال حواري: علي: "هل ستذهب إلى العزاء الليلة؟"
بكر: "الجو شديد البرودة."
بكر لم يقل صراحة إنه لن يذهب، لكنك تفهم من السياق كما فهم علي أنه يعتذر عن الحضور بسبب البرد.
ولو أن علياً قال له: "إذًا أنت لن تذهب"، قد يرد: "أنا لم أقل ذلك".
وكذلك في قولك لصديقك : هل نذهب لمشاهدة لعبة كرة القدم ، فيجيب : عندي واجب دراسي ، فالمتكلم لم يقل صراحة أنه يرفض الذهاب إلى مشاهدة مباراة كرة القدم ، بسبب الواجب الدراسي ، بل يفهم ذلك من السياق ، ولو قال له صديقه ، أنت لا تريد الذهاب ، قد يرد ، أنا لم أقل ذلك
خلاصة الاستلزام الحواري قابل للإنكار، ويعتمد على فهم الموقف ونوايا المتكلم، ولا يُستنتج من الجملة وحدها.
الفرق بينهما بإيجاز:
مصدر المعنى في الافتراض المسبق البنية اللغوية للجملة ومصدر المعنى للاستلزام الحواري السياق والمقام التخاطبي
الافتراض المسبق ثابت حتى مع النفي أو السؤال أما الاستلزام الحواري يتغير أو يسقط بتغير السياق أو النفي.
الافتراض المسبق لا يمكن إنكاره إلا بتكذيب الجملة من أصلها أما الاستلزام الحواري يمكن إنكاره أو التملص منه.
مثال قرآني تحليلي
قوله تعالى:
﴿قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحًا فيما تركت﴾( المؤمنون:١٠٠)
الافتراض المسبق: أن القائل لم يكن صالحًا فيما مضى، وهذا لازم من عبارة "لعلي أعمل صالحًا".
الاستلزام الحواري: من سياق الموقف الأخروي، يُفهم شعور بالندم، وفقدان فرصة الإصلاح، ورسالة ضمنية للقارئ: الوقت كان متاحًا، لكنه ضاع.
كثير من الدارسين، خاصة في قراءة النصوص الدينية أو الأدبية، يخلطون بين هذين المفهومين:
قد يسمّون معنى سياقيًا "افتراضًا"، وهو في الحقيقة استلزام حواري يتغير بتغير المقام.
أو يتعاملون مع الافتراض المسبق كأنه رأي أو اجتهاد، مع أنه جزء من المعنى اللغوي نفسه.
القاعدة الذهبية:
ما كان مفروضًا من تركيب الجملة فهو افتراض مسبق.
وما كان مستنتجًا من الموقف فهو استلزام حواري.
المصادر والمراجع:
١. القرآن الكريم.
٢. المقاربة التداولية ، فرانسو ارمينكو: ١٠٠
٣. التداولية اليوم ، بلانشيه: ٤٥
٤. نظرية أفعال الكلام ، هاشم عبد الله الخليفة :٥٦
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية