انت الان في قسم المحاسبة

تعزيز التنمية المستدامة في ضوء واقع التجارة في العراق: رؤية مستقبلية تاريخ الخبر: 15/07/2025 | المشاهدات: 289

مشاركة الخبر :

______________________________________________________________________________
اعداد : م. م علي يوسف علي إبراهيم

تأتي أهداف التنمية المستدامة كخارطة طريق لتحقيق مستقبل أكثر عدلاً وازدهارًا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي بينما يُعد القضاء على الفقر حجر الزاوية لتحقيق هذا المطلب. وفي هذا السياق، تلعب التجارة دورًا حيويًا في تنشيط الاقتصاد وتوسيع آفاق التنمية داخل العراق، الذي يمتلك إمكانيات هائلة رغم التحديات المتعددة. تدعو هذه المقالة إلى ربط الأسس النظرية للتنمية المستدامة ومكافحة الفقر برؤية واقعية ومبتكرة للتجارة في العراق تتجاوز الاعتماد التقليدي وتواكب التطورات العالمية خطوة بخطوة نحو تحقيق الاستدامة.
تعتبر التجارة من محركات النمو الاقتصادي الحقيقية الهادفة إلى تحسين مستوى المعيشة وتوفير فرص عمل جديدة. وفي العراق، رغم التحديات السياسية والأمنية ومشاكل البنية التحتية ، يحتفظ قطاع التجارة بإمكانات جيدة في مجالات النفط والزراعة والصناعات التحويلية. إن دمج أهداف التنمية المستدامة مع سياسات تجارية استراتيجية يمكن أن يحدث نقلة نوعية في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، مع ضمان استفادة الفئات الضعيفة من النمو المتحقق.
يعتمد مفهوم التنمية المستدامة على توازن الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للسياسات الوطنية. في هذا السياق، تُشكّل التجارة جسراً لنقل السلع والخدمات، وتعمل على ربط الموارد المحلية بالأسواق الإقليمية والدولية. يُسهم دعم التجارة المحلية في خلق فرص عمل وتنمية القدرات البشرية بما يتماشى مع أهداف التنمية ، كما يُمكن أن يشكل حافزًا لتطبيق أساليب الإنتاج والصناعات الذكية والابتكارات التكنولوجية الضرورية لتعزيز الكفاءة والشفافية. إن استراتيجية التجارة المستدامة لا تركز فقط على التوسع الكمي، بل تُعنى أيضًا بجودة المنتجات والخدمات والحفاظ على البيئة وترشيد استهلاك الموارد، ما ينسجم مع الرؤية الشمولية للتنمية.
ويمر قطاع التجارة في العراق بمرحلة انتقالية تواجه عدة عوائق من بينها البنية التحتية المتأثرة، اذ يعاني السوق العراقي من ضعف شبكات النقل واللوجستيات، مما يعيق تدفق السلع والخدمات ويزيد من تكاليف التجارة. كذلك الإجراءات الإدارية والبيروقراطية ايضا تعيق اللامساواة في توزيع الموارد وتأخير تنفيذ المشاريع التنموية المتكاملة، كما تؤثر العمليات البيروقراطية سلباً على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب. كذلك العوامل الأمنية والسياسية، تُعتبر عن عدم الاستقرار السياسي والأمني من أبرز المعوقات التي تؤثر على استقطاب الاستثمارات وتطوير العلاقات التجارية الدولية. على الرغم من هذه التحديات، يظل العراق يمتلك عدداً من الإمكانيات التي يمكن استغلالها لتعزيز التجارة المستدامة من حيث تنويع الاقتصاد يمكن للدولة أن تقلل من اعتمادها على النفط عبر تطوير قطاعات الزراعة والصناعات التحويلية والخدمات اللوجستية والتي تمثل محاور حيوية لتعزيز النمو. التحول الرقمي يسهم أيضا بتبني التكنولوجيا الحديثة والأنظمة الرقمية في تحسين عمليات سلاسل الإمداد والتوزيع وزيادة الشفافية، مما يجعل التجارة أكثر كفاءة واستدامة. الشراكات الإقليمية والدولية تمكن العراق من الاستفادة من التكامل الاقتصادي مع دول الجوار والمؤسسات الدولية لتطوير البنية التحتية والحصول على الدعم الفني والمالي الضروري، مما يعزز من مكانته في ساحة التجارة على المستوى الإقليمي.

يمثل الربط بين أهداف التنمية المستدامة ومكافحة الفقر وبين تطوير قطاع التجارة في العراق نهجًا استراتيجيًا لتحقيق نمو اقتصادي شامل ومتماسك. إذ إن تبني سياسات تجارية مستدامة يعزز من فرص العمل، ويزيد من ثقة المستثمرين، ويُحدث تغييرًا إيجابيًا في معيشة المواطنين. تحتاج هذه الرؤية إلى مقاربة شمولية تُدمج الابتكار التكنولوجي والتوسع في البنية التحتية وتنمية الموارد البشرية مع تبني سياسات تقلل من الفوارق الاجتماعية وتعزز العدالة الاقتصادية. تمثل هذه الرؤية المستقبلية نموذجًا يمكن أن يُحتذى به ليس فقط في العراق، بل في دول تسعى لتحقيق تنمية مستدامة وتكامل اقتصادي، قائماً على الحوار والتعاون المثمر بين مختلف القطاعات والمجتمع الدولي. التحديات قائمة، لكن الإمكانيات هائلة إذا ما وُجهت الجهود نحو استغلالها بما يضمن مستقبلاً أكثر استقرارًا وشمولية للجميع.
الخلاصة :
إن رؤية التجارة الحديثة في العراق ترتكز على مزيج من الابتكار التقني والتحول الرقمي مع تقديم حلول بيئية واجتماعية تلبي متطلبات العصر الراهن. إن إعادة هيكلة القطاع التجاري بما يتماشى مع أسس التنمية المستدامة لا يقتصر على تحسين مؤشرات الاقتصاد فحسب، بل يمتد ليشمل تعزيز العدالة الاجتماعية والحفاظ على البيئة للأجيال القادمة.
من خلال تبني سياسات جريئة وتحديث البنية التحتية وتطوير القدرات البشرية، يمكن للعراق أن يشكل نموذجًا رائدًا في المنطقة لتحقيق نمو اقتصادي متوازن ومستدام يتناسب مع تحديات المستقبل. يمكن أن يدفعنا الحديث عن هذه التوجهات إلى استكشاف كيفية تحويل العراق إلى مركز تجاري رقمي متكامل يستفيد من التجارب العالمية في مجال التجارة الإلكترونية والابتكار التكنولوجي، مما يعزز مكانته على الساحة الإقليمية والدولية ويرسخ أسس التنمية المستدامة الحقيقي.