لقد أثّر الاحتباس الحراري الناتج عن غازات الدفيئة والغازات الأخرى، وسيؤثر، على الزراعة، مصادر المياه، إمدادات الغذاء، النظم البيئية والبنى التحتية المتعلقة بصحة الانسان والحيوان والنبات. تشمل غازات الدفيئة ثاني أكسيد الكربون، أكسيد النيتروز، الميثان، الكربون الهيدروفلورية (HFCs)، سادس فلوريد الكبريت (SF6)، ومركبات الكربون الهيدروفلورية المشبعة (PFCs). ووفقًا للتقارير المتعلقة بتأثيرات المناخ فإن تكلفة التخفيف من آثار تغير المناخ تُقدر بـ 1% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وسترتفع هذه التكلفة مستقبلًا بما يتراوح بين 5 و20 ضعفًا إذا لم تُتخذ أي إجراءات.
تهدف استراتيجيات التخفيف من الاحتباس الحراري إلى الحد من انبعاثات غازات الدفيئة. ومن بين الأساليب المُوصى بها للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، استراتيجيات مختلفة، مثل التشجير، تغطية التربة الجرداء، استخدام الفحم الحيوي، استخدام الطاقة المتجددة، عزل الكربون، واحتجاز او تخفيف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وإزالته. وقد اقترح الباحثون تقنيات وأساليب مختلفة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة وكما يلي:
1. الفحم الحيوي. الفحم الحيوي مادة عضوية تُنتج عن طريق تسخين مواد عضوية، مثل مخلفات المحاصيل والأخشاب وأوراق الأشجار، عند درجة حرارة (300-500 درجة مئوية) في غياب كامل أو جزئي للأكسجين، وهي عملية تُسمى التحلل الحراري. يتميز الفحم الحيوي بثرائه العالي بالكربون العضوي، أي بنسبة 70-%80 ، ويمكن الاحتفاظ به في التربة لفترات. يتميز الفحم الحيوي بمقاومته العالية للتحلل الميكروبي، وذلك بفضل روابطه الكربونية القوية التي لا تنكسر بسهولة، مما يقلل من انبعاثات غازات الدفيئة من التربة. كما يُدمج في التربة لعزل الكربون، ويحسن خصوبتها على المدى الطويل. وأشار الباحثين الى انه يمكن خفض الكربون الجوي بما يصل إلى 22 جيجا طن بحلول عام 2050 باستخدام الفحم الحيوي. هذا ويعد الفحم الحيوي تقنية صديقة للبيئة لأنه يحول النفايات العضوية إلى أسمدة عضوية، ويمكن استخدامه لتوليد الطاقة أيضا.
2. مصادر الطاقة المتجددة. تُنتج معظم الطاقة من الوقود الأحفوري، وهو وقود غير متجدد ويُصدر كميات كبيرة من غازات الدفيئة، مما يُسهم في ظاهرة الاحتباس الحراري. وعليه، من الضروري التحول إلى مصادر طاقة متجددة جديدة، مثل طاقة الرياح والطاقة الكهرومائية والطاقة الحرارية الأرضية وطاقة أمواج المحيطات والطاقة الشمسية، وهي أكثر كفاءةً للبيئة العالمية كما ان قدرتها على انبعاث غازات الدفيئة ضئيلة مقارنةً بمصادر الطاقة التقليدية. لا شك أن تكلفة مصادر الطاقة المتجددة أعلى، ولكن بالمقارنة مع الأضرار التي تُسببها مصادر الطاقة التقليدية، ستكون أكبر بكثير في المستقبل القريب. لا تقتصر أهداف المنهج المُتبعة للتخفيف من آثار الاحتباس الحراري على تطوير بيئة مستدامة فحسب، بل تشمل أيضا بناء اقتصاد مستدام من خلال مصادر الطاقة المتجددة.
3. التغطية. التغطية هي تغطية سطح التربة العارية بمواد طبيعية (بقايا المحاصيل) أو صناعية (بلاستيكية) بدلًا من حرق بقايا المحاصيل التي تُنتج كميات هائلة من غازات الدفيئة. يُساعد دمج التغطية في التربة على تقليل انبعاثات غازات الدفيئة، كما يُحسّن خصوبتها. وتُقلل التغطية من التبخر، تحمي سطح التربة، وتُنظم درجة حرارتها إذ تحافظ على رطوبتها وتُقلل من ضغطها.
4. تحويل كربون التربة إلى شكل أكثر استقرارا عن طريق الكائنات الحية الدقيقة في التربة. تُحول الكائنات الحية الدقيقة الكربون العضوي في التربة إلى مركبات مستقرة متنوعة، مثل الكلومالينلGlomalin والدبالHumus ، والتي يمكن أن تدوم لمئات السنين. وبالتالي، يُعد إنتاج كربونات مستقرة، مثل الدبال، باستخدام الميكروبات استراتيجيةً أفضل للحد من انبعاثات غازات الدفيئة، وبالتالي الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري.
5. نظام الزراعة Agroforestry . يُعد نظام الغابات أحد الأنظمة الأكثر قدرة على التخفيف من آثار الاحتباس الحراري، إذ يعمل كمصرف ضخم للكربون. ويمكن إدارة غازات الدفيئة بكفاءة أكبر من خلال تحويل الأراضي الزراعية والمراعي إلى أنظمة غابات غنية بالكربون. ويمكن التقاط الكربون بكفاءة من الغلاف الجوي ونقله إلى التربة أو النباتات في أنظمة الزراعة الحراجية.
6. استراتيجيات التخفيف الأخرى. وثقت بعض الاستراتيجيات للتخفيف من انبعاث غازات الاحتباس الحراري وبالتالي الاحتباس الحراري العالمي: (A) الحد من انبعاثات الميثان من خلال نظام متكامل للثروة الحيوانية والأرز والذي يمارس تقليديا في مناطق معينة في العالم مثل غرب إفريقيا وفيتنام وإندونيسيا والهند. (B) دمج الأسمدة الطبيعية (الحيوانية) في أنظمة إدارة النفايات، بما في ذلك التقاط الغاز الحيوي واستخدامه مما يساعد في تقليل كمية أكسيد النيتروز والميثان ويؤدي أيضا إلى زيادة الطلب على الأسمدة الحيوانية ويعمل كمصدر جيد للدخل للأشخاص الذين يعملون في تربية الحيوانات. (C) يمكن أن يعزز استعادة الأراضي من خلال الرعي المتحكم فيه عزل الكربون في التربة.
وعليه أشير إلى الممارسات التالية للتخفيف من تأثير الاحتباس الحراري عن طريق تقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري في البيئة ويتضمن ذلك تقليل استخدام النيتروجين؛ الحد من استخدام مبيدات الفطريات ومبيدات الأعشاب والمبيدات الحشرية؛ اعتماد أساليب الزراعة ذات فقدان أقل للكربون؛ السيطرة الفعالة على الأعشاب الضارة دون الإضرار بالتربة؛ السيطرة على التعرية؛ تجنب حرق مخلفات المحاصيل؛ تجنب التربة العارية، وتشجيع تغطية التربة.
وبناءا على ما تقدم، ينبغي اعتماد نهج متعدد التخصصات للتخفيف من آثار الاحتباس الحراري، حيث يتعين على الزراعيين، علماء التربة، علماء فسيولوجيا النبات، مربي النباتات، علماء الأرصاد الجوية، وخبراء المياه، العمل بتناغم لإيجاد نهج متكامل لمكافحة الاحتباس الحراري. كما يتعين على صانعي السياسات تقديم الدعم المالي للأفراد الذين يمارسون الزراعة الصديقة للبيئة (الزراعة الذكية مناخيا). وينبغي أن يكونوا على دراية بالوضع الراهن للاحتباس الحراري لاتخاذ قرارات سليمة وصحيحة. علاوة على ذلك، يجب على المنظمات الحكومية وغير الحكومية والجامعات ومؤسسات البحث الأخرى أن تلعب دورا محوريا في مساعدة المزارعين وإقناعهم بالتحول نحو الزراعة الذكية مناخيا/الصديقة للبيئة للحد من الآثار الضارة للاحتباس الحراري. وإلا، فإن التكلفة الحالية لاستراتيجيات التخفيف هذه ستتضاعف بشكل كبير جدا إذا لم تُتخذ أي إجراءات في الوقت الحاضر.
جامعة المستقبل الأولى على الجامعات الأهلية