انت الان في قسم تقنيات الكلية الصناعية

الفيروسات كسلاح ضد السرطان: العلاج الفيروسي المُعدَّل واعدٌ في مواجهة الأورام تاريخ الخبر: 05/10/2025 | المشاهدات: 26

مشاركة الخبر :

اعداد : أ.د. يونس عبد الرضا الخفاجي
المقدمة
في عالم الطب الحديث، حيث تتوالى الاكتشافات وتتداخل التخصصات، برزت فكرةٌ قد تبدو للوهلة الأولى مفارقةً أو حتى مخيفة: استخدام الفيروسات—التي عادةً ما تُعتبر عدوّاً للإنسان—كمُعالِجٍ لأحد أخطر أمراض العصر: السرطان. لكن ما يبدو تناقضاً في الظاهر، هو في الحقيقة مثالٌ بارز على الذكاء البشري في توظيف الطبيعة لمصلحته. فمنذ أوائل القرن العشرين، لاحظ العلماء أن بعض مرضى السرطان شهدوا تحسّناً مؤقتاً بعد إصابتهم بعدوى فيروسية. ومنذ ذلك الحين، بدأت رحلة البحث عن "الفيروسات المضادة للسرطان"، أو ما يُعرف بـ العلاج الفيروسي المُعدَّل (Oncolytic Virotherapy).
ما هو العلاج الفيروسي المُعدَّل؟
العلاج الفيروسي المُعدَّل هو نوع من العلاجات البيولوجية التي تستخدم فيروسات مُهندَسة وراثياً أو مُنتقاة بعناية لتستهدف الخلايا السرطانية وتُدمّرها، دون الإضرار بالخلايا السليمة. تعتمد هذه الفيروسات على قدرتها الطبيعية على غزو الخلايا والتكاثر داخلها، لكنها تُعدَّل بحيث:
تستهدف الخلايا السرطانية فقط، مستغلة الخصائص الفريدة لهذه الخلايا (مثل ضعف آليات الدفاع المناعي أو فرط النشاط في مسارات التكاثر).
تفقد قدرتها على إصابة الخلايا الطبيعية، مما يجعلها آمنة نسبياً للاستخدام العلاجي.
تحفّز الجهاز المناعي على التعرّف على الورم ومهاجمته، ما يُضفي بعداً مناعياً على العلاج.
كيف تعمل هذه الفيروسات؟
عند حقن الفيروس المُعدَّل في الورم أو في مجرى الدم، يبدأ رحلته كالتالي:
الارتباط والدخول: يرتبط الفيروس بمستقبلات موجودة بكثرة على سطح الخلايا السرطانية، ثم يدخلها.
التكاثر: داخل الخلية السرطانية، يبدأ الفيروس في التكاثر بسرعة، مستغلاً بيئة الورم المواتية (مثل ضعف استجابة إنترفيرون).
التفجير (الانحلال): بعد تكاثره، يُفجّر الفيروس الخلية السرطانية من الداخل، مطلقاً آلاف النسخ الجديدة من نفسه لتصيب خلايا سرطانية مجاورة.
تنبيه المناعة: عند انفجار الخلايا، تُطلق محتوياتها (بما في ذلك بروتينات وراثية للورم)، ما يُنبّه الجهاز المناعي للاستجابة ضد بقية الخلايا السرطانية في الجسم—وهو ما يُعرف بـ"الاستجابة المناعية المضادة للورم".
أمثلة على فيروسات تُستخدم في العلاج
من أشهر الفيروسات التي تم تطويرها لهذا الغرض:
T-VEC (Talimogene laherparepvec): وهو فيروس الهربس البسيط (HSV-1) المُعدَّل وراثياً، والمُصرّح به من قبل إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) لعلاج سرطان الجلد المتقدم (الميلانوما). يُحقن مباشرة في الآفات الجلدية، ويُنتج بروتيناً يحفّز المناعة (GM-CSF).
فيروسات الأدينو (Adenoviruses): تُعدّل لاستهداف أنواع مختلفة من الأورام، مثل سرطان البروستات والرئة.
فيروس الحصبة (Measles virus): أظهر نتائج واعدة في التجارب السريرية ضد سرطان المبيض والورم النخاعي المتعدد.
التحديات والآفاق المستقبلية
رغم الوعد الكبير لهذا النوع من العلاج، إلا أن هناك تحديات تواجهه، منها:
الاستجابة المناعية المبكرة: قد يهاجم الجهاز المناعي الفيروس قبل أن يصل إلى الورم.
صعوبة توصيل الفيروس إلى الأورام الداخلية أو المنتشرة.
التنوع الجيني للأورام، مما قد يقلل فعالية الفيروس ضد بعض الأنواع.
وللتغلب على هذه العقبات، يعمل الباحثون على:
دمج العلاج الفيروسي مع العلاجات المناعية (مثل مثبطات نقاط التفتيش المناعي).
تغليف الفيروسات بمواد نانوية لحمايتها أثناء العبور في الجسم.
هندسة فيروسات "ذكية" تستجيب لمؤشرات بيولوجية محددة في بيئة الورم.
وأخيرا وليس آخرا لإإن استخدام الفيروسات في علاج السرطان ليس خيالاً علمياً، بل واقعاً طبياً يتطور بسرعة. إنه مثالٌ على كيف يمكن تحويل "عدو" إلى "حليف" عبر العلم والابتكار. ومع تقدّم تقنيات الهندسة الوراثية والمناعة، قد يصبح العلاج الفيروسي جزءاً أساسياً من بروتوكولات علاج السرطان في المستقبل القريب، مقدّماً أملًا جديدًا لملايين المرضى حول العالم.

جامعة المستقبل الجامعة الاولى في العراق